السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

عسكرة الدنيا .. وتسييس الآخرة

كلما تابعت، عن قرب أو بُعد، الاحتجاجات العربية، سواء تلك التي انتهت بإسقاط الأنظمة أو الأخرى التي أدت إلى انهيار الدول وهزّت شبكة العلاقات الاجتماعية، إلا وراودني سؤال مفاده: هل نحن في حركتنا نحو التغيير السلمي والدموي نسعى حقاً إلى إقامة دولة مدنيّة؟

نأتي الإجابة هنا محملة بعبء الشواهد، وبهتان التأويلات، وأوزار العنف، وسطوة المصالح، وزيف النقل نتيجة غياب العقل، لتقول: إننا لا نسعى لدولة مدنية أبداً، وأن ما بيننا وبينها أمداً بعيداً، تراكمت فيه حقب الزمان حتى غدونا بقية قوم أرهقهم ميراثهم وكبَّلهم، وتدحرجوا إلى من أعلى إلى أسفل في متاهات العصر والحداثة، فلا هنا تجذروا ولو بالباطل، ولا هناك تأقلموا ولو ادعاء.

ذلك على مستوى التحليل، أما فيما يخص المحطات الدالة على رفض الدولة المدنية عربياً حتى من الذين يعتقدون أنهم جزء من الليبرالية، أو من أطروحات اليسار فيمكن تلخيصها في محطتين بارزتين، هما: الإسلاميون، والعسكر.


في الظاهر العام ـ خصوصاً على المستوى السياسي ـ تُظْهِر مجتمعاتنا ونُخبها المتربصة بها الدوائر خلاف ما تبطن، فهي تعلن عبر مسيراتها، في اللحظة التي تسيطر عقلية القطيع على المشهد الإجمالي للحدث، أنها معادية لنظام الحزب الواحد، للسلطة القائمة، لحكم العسكر، للديكتاتوريات بكل أشكالها، ولكنها تلقي بنفسها مجتمعة ـ لا راضية ولا مرضية ـ في جحيم تصور يشي بعجزنا الكلي عن فهم الأحداث وتطورها، حيث تستنجد في النهاية بالعسكر أو الإسلاميين .. إنها القسمة الضيزى لدى الشعوب العربية بين الدنيا والدين.


نرى في الجيوش العربية ـ وهي أكثر تنظيماً مقارنة بغيرها من المؤسسات الأخرى في الدولة الوطنية ـ البديل الدنيوي عن جماعات الفساد، ومع ذلك ففي لحظات الغي والشطط نرى فيها عدواً، حتى إذا اشتدت أصوات القوى الأخرى وكشّرت عن أنيابها، استنجدنا بالجيوش موالاة ومعارضة، أفراد وجماعات وشعباً.

هنا يصعد إلى أعلى خيارنا الدنيوي للحكم المصحوب بالقوة، غير أننا لسنا أوفياء في ذلك ولا جادين، لأن هدفنا النجاة في زمن الانهيار، فإذا تأكدنا من النجاة ولو مرحلياً، أيدنا الإسلاميين لكونهم يمثلون لدى الأغلبية منا، الحل الأُخْرَوِي، وهكذا يتعمق الصراع بين قوتين، الأولى: قوة بشرية ومادية، يمكن لنا رفضها أو تعديل مسارها، والثانية: قوة روحية، يعتقد أصحابها أنهم أهل حق أزلي، ومهما تكن نتائج هذا الصراع فنحن وقوده، فكيف لنا أن نقي أنفسنا وأوطاننا منه؟