السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

العالم العربي بين تجاذبات الصين وأوروبا

تعد الجولة الأوروبية لرئيس الصين، شي جين بينغ، نقطة تحول في العلاقات الصينية الأوروبية، في إطار الاستراتيجية العالمية الجديدة للصين، وقد بدت المحطة الأولى من هذه الزيارة استفزازية لقادة أوروبا الغربية الليبرالية، مع إعطاء أولوية لإيطاليا على فرنسا وألمانيا، حيث تميزت هذه المحطة بإعلان دراماتيكي عن صفقات كبرى لاثنين من الموانئ البحرية الإيطالية الرئيسة - تريستا وجنوة - حيث من المرتقب أن تصبح هذه الموانئ، مع ميناء بيرايوس اليوناني، بوابات رئيسة للتجارة والاستثمارات الصينية في القارة الأوروبية.

وستعد هذه الصفقات البحرية الجديدة، قلباً لتاريخ الميزان الأوروبي من ساحله الغربي المطل على المحيط الأطلسي، ووصولاً إلى الشرق والبحر الأبيض المتوسط، كما تعتبر صفعة اقتصادية لأعضاء الاتحاد الأوروبي المتحالفين مع الولايات المتحدة إلى المجندين الجدد من أجل الهيمنة السوفيتية السابقة.

هناك قراءة أخرى، والتي تعتبر غير اقتصادية بل تاريخية بحتة، حيث من الممكن أن تعتبر مبادرة طريق الحرير الجديدة انتقامًا من الحملات الاستعمارية السابقة ضد موانئ الصين عبر العصور، فهذه المبادرة، والتي يتم من خلالها ضمان تأمين الممرات، وبوابات الوصول، وتقصير المسافة بين الصين وشركائها التجاريين، من جَوَادَار على ساحل باكستان باتجاه البحر الأحمر، تبدو كطريقة قَلَبت منطق إبحار الملوك الأوروبيين المتجهين إلى الهند والشرق الأقصى، بحثًا عن الحرير والخزف والتوابل، لكنها تتوازى مع فكر كريستوفر كولومبوس الفريد الذي كان يسعى غرباً لاكتشاف القارة الأمريكية.


وطيلة عقود أدارت الولايات المتحدة الأمريكية ظهرها للقارة الأوروبية لصالح السفن التجارية العابرة للمحيط الهادئ، والتي كانت تبدو أنها ستشكل ميزان القوى في العالم الجديد، لكن الصين، وفي نفس المسار الزمني، توسعت في بحر الصين الجنوبي، ونافست مواقف اليابان في البحر الأصفر، كما تركز الآن على أهداف أضعف وأكثر ربحية مثل أفريقيا وأوروبا.


أما بالنسبة للعالم العربي، فإن قوته تكمن ـ بعيداً عن التهميش ـ في قلب هذه الاستراتيجية، لأنه يتوسط القارات الثلاث، ويقع على مفترق طرق بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، هذا الموقع الذي طالما منحه الثروة والمجد في الماضي، ويعد الخليج العربي، باستثناء موارده الهيدروكربونية من نفط وغاز، مجالًا غير ساحلي، لذا لا بد أن يعتمد توسعه الاقتصادي في المستقبل على حرية التنقل والوصول إلى الفرص الخارجية مع البحار المفتوحة، والمياه العميقة، والموانئ الفعالة، بشرط توفر البنية التحتية، واستغلال الموارد الزراعية والمعدنية وكذلك فتح وتوسيع الأسواق، التي تعتبر مصدراً للرخاء، وأحد مفاتيح القوة في المستقبل، كما كان هذا العالم العربي في الماضي.

إن هذا الموقع والقدرات التي اكتسبهما العالم العربي من خلال السفر والتجارة والاختلاط عبر العصور مع الشعوب ـ في القارة الآسيوية والأوربية والأفريقية ـ ينبغي أن تكون مرة أخرى مصدر دخل ما بعد النفط، وما بعد نفاد باطن الأرض من الثروات.