الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

«حيطان حنَّا».. والفضاء الإلكتروني

في الماضي، كان من يرى في نفسه موهبة أو إبداعاً في الكتابة يتجه في الأغلب إلى جريدة مطبوعة ما في بلده، ويحاول مقابلة مسؤول التحرير فيها، وبقلب مرتجف يقدم له أوراقاً خطها بعناية، تحوي ما يعتقد أنه صالح للنشر، وإن تم النشر، فتلك البداية لطريق طويل يستمر به أو لا يستمر.

اليوم، هنالك عالم افتراضي كامل وفوضوي يسمى الإنترنت، البدائل به متاحة بلا حدود حتى لنشر دواوين شعر أو روايات كاملة، وهنالك منتديات يجتمع فيها نفر ممن يرون أنفسهم أصحاب ملكة إبداع ومواهب أدبية، ومعظمهم يدرك أن باب مسؤول التحرير مقفل في وجوههم لأسباب موضوعية غالباً، فيصبحون هم وفي زمن قياسي عبر المنتديات مسؤولي تحرير، وكتاباً وأدباء، ويغرقون في عالمهم الافتراضي حد الهوس.

في خضم كل هذا المنشور إلكترونياً، قد تجد هنا أو هناك نصاً جميلاً، أو فكرة منتقاة وتمت معالجتها بعناية وإبداع.


هي حيطان إلكترونية يؤسسها أفراد عاديون جداً، يتبادلون الرسائل والنصوص، وتصبح الردود مساحات نقدية متفاوتة المستويات، ومن منتدى إلى منتدى آخر تكتشف فيها روابط متشعبة بلا رابط بينها، لتجد نصاً من شاب يحاول فيه أن يتجاوز ما بعد الحداثة إلى ما بعد ما بعدها، وقصيدة بلا تفعيلة لهاوٍ يسميها «شعراً حراً»، متوهماً أن الحرية هي الانفلات من قواعد الشعر.


هنالك مساحة هائلة وخرافية من البوح كامنة لدى كمٍّ كبير من الشباب العربي بجنسيه وجنسياته، والمنابر «الأرضية» المتاحة أضيق من ثقب إبرة أمام كمية الضجيج والثرثرة وشيء من الإبداع، والتي امتزجت كلها في عالم المنتديات الإلكترونية بما يشبه صرخة احتجاج على الكبت.

في أوروبا، وبقياس لا أدعي أنه قام على منهجية علمية، لكنه قياس مقارن اعتباطي وسريع، نجد للمنتديات دوراً مختلفاً في التعبير الاجتماعي الرصين حول قضايا محلية يطرحها المشاركون، ويبحثون فيها عن حلول ومقترحات لقضية ما في المدينة أو البلد الذي يتبعون له، لتنتهي المقترحات على شكل توليفة نهائية تجد طريقها بشكل طبيعي على مكتب المشرعين، لتتحول إلى حل يشارك به المواطنون وقرار رسمي يرضى عنه الجميع.

لقد تم تطويع الإنترنت كأداة مشاركة مجتمعية فاعلة، وبشكل طبيعي يتماهى والمجتمعات التي تنظر إلى الإنترنت كعالم واقعي على الرغم من افتراضية أدواته، أما في عالمنا العربي فلا يزال الإنترنت عالماً افتراضياً وحائط مجانين عموماً، يرسم عليه مليون «حنا سكران» صورة بنت الجيران.