الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

صقور فرنسا.. والموقف من«بريكست»

مغامرة بريكست فهمها الأوروبيون على أنها ضربة قاضية لبنيانهمشدت اهتمام المراقبين المتتبعين للشأن الأوروبي السياسة الحازمة والنبرة المتشددة التي تبنتها فرنسا اتجاه إشكالية «بريكست» خلال مختلف جولات المفاوضات بين بروكسيل ولندن، فقد كتب في وسائل إعلام بريطانية وفرنسية نافدة أن المستشارة الألمانية إنغيلا مركل كانت على استعداد لتقديم تنازلات وتليين مواقفها تجاه بعض المطالب التي عبرت عنها رئيسة الحكومة البريطانية تريزا ماي، التي كانت تخوض معركة إقناع النواب البريطانيين لتبني وثيقة الطلاق التي وقعتها مع الاتحاد الأوروبي.. إلا أن فرنسا على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون ووزير خارجيتها جان إيف لودريان أصرت على رفع سقف المطالب، والرفض القاطع لأيّ تنازل إضافي أو تغيير في جوهر المعاهدة التي وقعتها تريزا ماي مع ميشال بارنيي كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي.

وحتى وهي تعي جيداً أن تريزا ماي كانت تحتضر سياسياً، وأن هناك إمكانية أن يعبّد هذا الانهيار الطريق لفرضية الفراق بدون اتفاق، وحتى وهي تدرك تماماً أبعاده الكابوسيّة على اقتصادات بريطانيا ودول للاتحاد الأوربي، وقفت فرنسا صامدة في موقفها، متقمصة شخصية الصقور في منطق هذه المفاوضات.

هذا الموقف المتشدد ذكرنا في ارتداداته ونبرته بالموقف الصلب الذي كان تبناه وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، عندما كانت المجموعة الدولية بقيادة باراك أوباما وقتها تتفاوض مع إيران لصياغة الاتفاق النووي الشهير، الذي مزقه دونالد ترامب فور وصوله إلى البيت الأبيض. هناك أسباب تشرح تصلب الموقف الفرنسي من قضية بريكست المعقدة، تأتي على رأسها الإرادة الفرنسية بعدم السماح لأي بلد أوروبي بأن يغادر البيت الأوروبي الموحد من دون أن يدفع الثمن غالياً على جميع المستويات، وأن يتحول خروجه من المنظومة الأوروبية مغامرة اقتصادية وسياسية يكون هو الخاسر الأكبر فيها.


مغامرة بريكست التي شجعها جهاراً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتعاطف معها سرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فهمها الأوروبيون على أنها ضربة قاضية لبنيانهم الموحد، ومحاولة لإضعافه اقتصادياً، وتقزيم دوره على جميع المستويات.. إضافة إلى هذه المعطيات فإن إصرار الفرنسيين على أن يبلع البريطانيون حبة «بريكست» بكل مرارتها قادم من قناعتهم بأن هذه المغامرة المشؤومة ـ إذا نجحت ـ فقد تلهم وتشجع قوى سياسية داخلية على المطالبة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وهو خطر يعتبره إيمانويل ماكرون بمثابة تهديد للأمن والاستقرار الأوروبي، ناهيك عن توجيه ضربة موجعة لرفاهية اقتصاد هذا الفضاء الأوروبي.