السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

البذاءة والطيبة.. اللِّسان والحصان

تقول الحكمة العربية: «لسانك حصانك»، ولم تتردد تلك الحكمة وتستقر في وجدان الناس إلا بناء على خبرات وتجارب كثيرة، فالحلاج فقد حياته بسبب جملة قالها، جملة من كلمتين فقط.. «أنا الحق» فكان أن لفظه العامة وصلب.. غير أن هناك في حياتنا أناساً يسيرون عكس تلك الحكم، ليس بمنطق الشجاعة أو الجرأة، ولا بمنطق الإصرار على تحدي ما هو سائد، إذ لو فعلوا ذلك لأمكن تفهم ما يقومون أو ما ينطقون به وحسب لهم لا عليهم.. إنهم يفعلون ذلك بمنطق ونفسية لا تتسم بالشجاعة ولا التعبير الجسور عن الرأي، ولكن بروح الخبث حيناً والاستعباط حيناً آخر.

نجد من يصيح في الآخرين، بكلمات مسمومة، هي الحقد ذاته أو البذاءة وربما سوء الأدب المتعمد، وما أن يضبط بذلك ويبدو أنه سيكون عرضة للمؤاخذة الأخلاقية أو المحاسبة القانونية، يصيح في الجميع مرتعداً: «أَصْلِي أنا طيب واللي في قلبي على لساني» أو «سامحوني.. أنا ما أعرفش أخبّي» أو «أنا صريح زيادة عن اللزوم».. والأمر هنا لا يتعلق بالصراحة، بل بالوقاحة ولا يختص بطيبة القلب، بل هو أقرب إلى قلب سوداوي، ونفس غير صافية، بها إحن وغل وأحقاد..

وقد يكون متوقعاً ونتفهم أن يحدث ذلك من بعض الشخصيات العادية، أما أن يقع من شخصيات يفترض أنها عامة وأن لها قدر من التأثير على فئة بعينها من الناس، فهنا الخطورة، ذلك أن الشخصيات العامة يجب أن يدقق أصحابها في كل ما يقولون، وأن يتجنبوا الإساءة لعموم الناس، ولذا وجب التزام الصمت على من لا يمكنه السيطرة على لسانه.


كانت السيدة أم كلثوم تقف أمام الجمهور ساعات، ولا تتفوَّه بكلمة واحدة خارج الأغنية، حتى السياسيين، وغيرهم، فإن عدداً كبير منهم حين يتحدث فإنه يفعل ذلك من خلال ورقة مكتوبة وتتم مراجعتها بدقة، فإذا استرسل خارج النص المكتوب، فإنما يفعل ذلك بحساب شديد.


وإذا لم يكن صحيحاً أن نرمى البذيء بخيانة الوطن أو الإساءة إليه، فإنه أيضاً يجب ألا تعتبر البذاءة دليل طيبة أو تعبيراً عن براءة النفس والقلب، وليس من حسن الخلق أن نمتدح البذاءة، خصوصاً إذا تكررت، البذاءة تبقى بذاءة بلا زيادة وبلا نقص.