الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

خلفيَّات زيارة البابا للمغرب

تأتي زيارة البابا إلى المغرب في لحظة تاريخية خاصة، تتميز بتنامي الكراهية والعنف في مختلف جهات العالم، بدت تعبيراتهما في واجهتين يظهر أنهما متناقضتان ولكنهما منسجمتان في العمق، لأنهما تنتهيان معاً إلى الراديكالية المتطرفة، هاتان الواجهتان هما: اليمين المتطرف، والخطاب الجهادي العنيف.

وبالقدر الذي نُثمِّن فيه حرية التدين كما دعا إليها البابا وشيخ الأزهر والإمارات قبل شهر من زيارته إلى المغرب، وتقوية روح الانسجام ما بين أقوام الديانات الثلاث وإشاعة قيم العيش المشترك والحوار كما تم التنصيص عليه في لقاء الرباط، فإننا نؤكد أن زيارتي البابا إلى الإمارات والمغرب تندرجان في إطار رؤية استراتيجية لدولة الفاتيكان لجهة إعادة تموقعها السياسي ذي الصلة بمصالحها الرمزية والقيمية المرتبطة بوضع الكاثوليك والمسيحيين في كل بقاع العالم، وهذا يؤكد أهمية تفسير زيارة البابا للبلدين من منظور جيو ــ سياسي يأخذ في الحسبان أمرين، أولها: أن زيارته إلى أبوظبي اكتست أهمية خاصة كون الإمارات تضم نسبة كبيرة من الجاليات غير المسلمة، وأنها منفتحة على مختلف الجنسيات، وهي مركز عالمي للخدمات والاقتصاد، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي في منطقة الخليج، و ثانيهما: تعتبر أن زيارته إلى المغرب دينية ــ سياسية باعتبار المملكة دولة رمزية من جهة كون أن الملك سلطة دينية في المغرب، مما يوفر الإطار المناسب للتباحث والتشاور حول القضايا الدينية، وما تحمله من تحديات حوار الحضارات.

إن اعتماد المقاربة الجيوــ سياسية لهاتين الزيارتين اللتين يفصلهما بينهما شهر واحد، تفيد في إدراك أن الفاتيكان يسعى إلى التموقع ضمن استقطاب اقتصادي وسياسي وثقافي وديني حاد، جاء نتيجة صعود جيل جديد من الكراهية والعنف ذي خلفية دينية وعقدية، عرابوه من الجهادية العنيفة واليمين المتطرف، وهذا أصبح يهدد الوجود الديني العام في المستقبل القريب، إذا ما ترسخت فكرة اعتبار الدين مصدراً للكراهية والتطرف، لذلك، جعل البابا من مناسبة حلول الذكرى ٨٠٠ للقاء التاريخي الذي جمع القديس فرانسيس الإسيزي والسلطان الملك «الكامل الأيوبي»، والذي كان الأول من نوعه في التاريخ، فرصة للدعوة إلى حماية الديانات السماوية ضمن ما أسماه «بواجب المسكونية».


من هنا، جاءت المبادرة المشتركة ما بين المغرب والإمارات والفاتيكان للإشارة إلى ضرورة الحوار ما بين الديانات التوحيدية السماوية في فضاء للعيش المشرك مع احترام تام لحرية التدين، أما عن خصوصية هذه الزيارة إلى المغرب، فهي تتمثل في الالتفاتة إلى المهاجرين انسجاماً مع تبني مراكش لميثاق الأمم المتحدة للهجرة، وفِي صياغة «نداء القدس» للحفاظ عليها تراثاً مشتركاً للديانات التوحيدية الثلاث، في وثيقة مشتركة تم توقيعها في القصر الملكي بالرباط، لكن قيم «المسكونية» لا يمكن اختزالها في الزيارات بين البابا وبعض القادة المسلمين، بل يجب أن تكون سياسة يومية تتحكم فيها المواقف الثابتة الشاجبة للعنصرية والداعية إلى الكرامة الإنسانية.