السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

دروس التجارب الحديثة في التنمية

بعض حكومات العالم الثالث، ما بعد الاستقلال، حاولت تحصيل النمو الاقتصادي والتنمية بقفزات عجلى، بحيث تختصر مشوار أربعة عقود في عقد واحد مثلاً، وهكذا، بحجة أن تقدّم سبل الاقتصاد والإدارة والتكنولوجيا في القرن العشرين، واتصال تلك السبل والخبرات عالمياً، صار يشجّع الوثبات السريعة وليس هنالك ما يبرر بطء اللحاق بالبلدان المتقدمة.

لقد قامت بلدان كثيرة مستقلة حديثاً باستيراد الكثير من الماكينات الأجنبية واستجلاب جموع الخبراء الأجانب وشركاتهم، وحين حاولت قيادات بعض تلك البلدان تصميم سياسة اقتصادية محلية أكثر عدالة وبعضها وفّرت عروضاً سخيّة للاستثمار الأجنبي، وأطاعت المنظومة العالمية المسيطرة، إلا أنها جميعاً اشتركت في الثقة بأن مستوى الحداثة المادية الموجود في أوروبا وأمريكا الشمالية يمكن تحصيله في العالم الثالث بوتيرة أسرع بكثير نسبيّاً.

النتيجة كانت أن معظم تلك البلدان لم تخفق في هدفها ذلك فحسب، إنما خسرت في مشوار التنمية الكثير من الزمن - نحو ثلاثة أو أربعة عقود - لم تفعل فيه الكثير بسبب الدوران في حلقات مفرغة، وتضخّمت مشاكلها مع تراكم أعباء السنين وزيادة أعداد سكّانها، وتآكل البنية التحتية البسيطة التي خلّفها الاستعمار.


فقط البلدان التي استقبلت مشروع التنمية بجدّية وتخطيط، وتنفيذ ومتابعة ومراجعة، ولم تتعجّل أكثر من اللازم، وركّزت على تطوير القدرات المحلية لإنجاز منشودات التنمية، حققت إنجازات ملحوظة في المجالات التنموية التي تعاملت معها بجدّية وحنكة (وذلك حتى حين أخفقت في مجالات أخرى لم تعطها نصيبها من الجدّية والحنكة، أو لم توفّق في تقدير حجم التأثير والضغط الخارجي القائم عليها).


من ضمن تلك المقاربات الجادة لمشروع التنمية، ما جرى في البلدان التي سمّيت بالنمور الآسيوية: سنغافورة وكوريا الجنوبية وجمهورية الصين (تايوان) وهونغ كونغ (التي كانت امتداداً بريطانيّاً حتى 1997)، وبقربهم هنالك نموذج ماليزيا المتميّز كذلك، وفي صحواتها الاقتصادية في العقود الأخيرة من القرن العشرين اتبّعت هذه البلدان خطّاً يسمّى عموماً بخط «الدولة التنموية»، فقد رسمت سياساتها وفق أولوياتها التنموية ووفق تدخّل مباشر وتنظيم لصيق لقوى الإنتاج وحراك السوق، وجدية في تلبية متطلبات البنية التحتية والخدمات العامة.

هذه نماذج يمكن استقاء الدروس منها (رغم مثالبها كذلك)، لكن العبرة الأساسية هي أهمية تصميم وتنفيذ المشروع التنموي المحلي، الصبور، وفق المعطيات والطموحات المحلية.