الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

الجزائر.. الحَراك والدستور

الدستور هو القانون الأسمى في أي بلد؛ فهو الضمانة (القانونية) الأولى لحماية الدول ومؤسساتها، ويُمْكِن أن نُمثِّلَه برجل مُدْمن على الخمر، وكان كُلَّما شَرِبَها سَكِر، فجاء إلى رجل آخر وقال له: أنَا سأشرب؛ وهذي أموالي فخذها ولا تُسَلِّمها إليَّ في حالة سُكر، ثُمَّ سَكِرَ الرجلُ وأتَى إليه يطلب أموالَه، فهل يُسلِّمُها إليه؟ من البَدَهي أنَّه إذَا سلَّمَها إليه يكونُ قد خان أمانتَه ونَكَثَ عهدَه لهذا الرجل الذي جعله حاميًا لأمواله في هذه الحالة، وهكذا الدستورُ؛ فهو بالنسبة للدولة هو هذا الرجلُ الْـمُؤْتَمَن. لذلك، إذَا وقَعَت دولةٌ في أزمات تُهدِّد كيانَها فلا مَلجَأَ لها – في نهاية المطاف – إلا إلى الدستور؛ لأنَّه هو الضمانة الأولى لسير المؤسَّسات. والحقُّ أنَّ العَيْبَ ليس في الدساتير، بَلْ في عدم تطبيقها.

نَعَم ينصُّ كثيرٌ من الدساتير على أنَّ الشعبَ هو مصدرُ السيادة؛ لكنَّ هذا لا يتناقض مع سيادة الدستور لأنَّه تجسيدٌ لسيادة الشعب التي عبَّر عنها بوضوح؛ تمامًا كما عبَّر الرجلُ الْـمُدمِن المشارُ إليه عن إرادته الصريحة لصاحبه، فالشعبُ أيْضًا قد يُصابُ إبَّان اليأس والأزمات والحماس الشديد بنوع من «ضبابية» الرؤية؛ مِمَّا يُفقِدُه صوابَه ويجعلُه يُطالِبُ بإلغاءِ جميع مؤسَّساتِ الدولة وإبطالِ العمل بدستورها وتأسيسِ نظام سياسي جديد مُنقَطِعًا عن الماضي.

فهل نُرَاعِي إرادةَ الشعب التي عبَّر عنها في حالة صَحْوٍ واتِّزانٍ، أي الدستور؛ أمْ نعتبر إرادتَه «الشعبوية» التي يُعبِّر عنها وهو في حالة يَأْس (البريكست مثالٌ لذلك).. صحيحٌ أنَّ الدساتير ليست قرآنًا؛ لكنَّها تُمثِّل عَقْدًا سِيَاسيًّا مُلْزِمًا للجميع (قانونًا وشرعًا)؛ فإذَا أردنا تغييرَها فليكن ذلك بالطُّرُق المحدَّدة فيها.


ومَا يَحدُث في الجزائر اليوم هو من هذا القَبِيل، فهناك اتِّجاهان، أوَّلُهما: يَرى أنَّ الدستور الحالي والمؤسسات المنبثقة منه تجاوزَهما الزمنُ وينبغي التماسُ حَلٍّ سياسيٍّ خارجَهما، والثاني يَرى ضرورةَ التَّمَسُّك بالدستور الحالي لأنَّه هو الذي يَضمَن عبورَ الجزائر إلى بَرِّ الأمان ويُرَسِّخ مفهومَ الدولة والمؤسسات القائمة على القانون لا الأفراد.


ولا شَكَّ أنَّ الشعب الجزائري العريق والذَّكي سيصل إلى حلٍّ عبقري لهذه الأزمة، ودليل ذلك استقالة الرئيس بوتفليقة من أجل المصلحة العليا للجزائر، لكنَّني أعْتَقِد – بكل تواضُع – أنَّ الحَلَّ الأمثلَ لأيِّ أزمة في بلداننا ينبغي أن يَنبثِق من الدستور.