الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ثقافة العرب.. موت وصوت

ثقافة العرب ثقافة موت وصوت وحزن، وليست ثقافة حياة وفرح، وهم يخلطون خلطاً غريباً وخاطئاً بين الجديّة والحزن، فلكي أكون متديناًّ وجادًّا، لا بد أن أكون عابساً وحزيناً، حتى جعل العرب القرآن الكريم كتاب موتى وحزن وعبوس، فنحن نتلو القرآن غالباً في مناسبات الموت، وهناك من يوزع مصاحف على روح ميّت له، ولا يوزع مالاً ولا طعاماً.

نحن نقف طويلاً جداً أمام الحزن والموت ولا نقف إلا قليلاً أمام الفرح، فالفرح في ثقافة العرب عيب وابتذال، لكن الحزن والبكاء جديَّة واستقامة والتزام بالأخلاق والفضائل، فالفرح ضد الفضيلة، والحزن قمة الفضيلة.

والعربي لا يعاتب ولا يغضب ممن لا يشاطره الأفراح، لكنه يغضب جداًّ ممن لا يشاطره الأحزان، والعربي يردد دوماً أن الصديق في الضيق والشدة، ولا يعترف بالصديق في الفرح والرخاء.


والموت في المجتمعات العربية حل للأزمات ولإسكات المعارض والرافض، لذلك يتقاتل العرب لأتفه الأسباب وربما بلا أسباب، ويسعى كل فريق لإسكات الآخر بالموت حتى الحب العربي مرتبط بالموت، إذ يقول المحب لحبيبه: أحبك موت، أو حتى الموت.


وفي كل المجتمعات العربية تقريباً يعبرون عن حبهم للآخر بالدعاء على أنفسهم بالموت ليحيا الآخر، كأن يقولون: «تقبرني» أو «تعدمني» أو «ربنا يجعل يومي قبل يومك»، وإذا كره العربي الآخر يدعو عليه بالموت والهلاك ولا يدعو له بالهداية.

والأغاني العربية كلها موت وحزن وفراق ودموع تعبيراً عن صدق الحب وقوته والعاشق العربي يتلذذ بتعذيب وربما إهانة معشوقته لأنها تتلذذ بالعذاب، فكلما عذبها العاشق تمسكت به وأحبته أكثر.

والسعادة عند العرب تقتل الحب لكن العذاب يطيل عمره ويبقيه حياً، فالعربي يملّ السعادة والهدوء والسكينة ولا يمل الحزن والعذاب والتعاسة، حتى إذا اخترعها اختراعاً، العربي أدمن وتوارث البكاء على الأطلال، ولو لم يجد أطلالاً يبكي عليها يدمر كل شيء ليجعله أطلالاً حتى الأوطان، ثم يبكي على أطلال من عمل يديه.

ولا يكاد العربي يذكر رحمة الله وجنته ونعيمه إلا قليلاً، ولا يكف عن ذكر العذاب الأليم في القبر، وفي جهنم، وذكر الموت وأهوال القيامة، وكل ذلك ليبكي ويُبْكِي من حوله، وأغرب ما في تركيبة العربي النفسية أن حياته إذا سارت سهلة ميسورة بلا مشاكل ولا أمراض ولا خسائر، يقول: إن الله غاضب عليه لأنه لا يبتليه رغم أن الابتلاء بالنعمة والنقمة معاً، فهو لا يحمد الله على النعمة، ولكنه يحمده على النقمة، قائلاً: الحمد لله على كل حال، لذلك لا حل لأزمات العرب لأن ثقافتنا وطبيعتنا موت وصوت.