السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

هل ستعرفون«مراود»؟

للمطبوع تأثيره الخاص عليَّ ـ سواء كان كتاباً أم مجلة وصحيفة ـ يشدني إليه لأنه العمر، إن لم يكن كله فعلى الأقل الجزء الأكبر منه، لذلك لا أزال إلى الآن غير متفاعل مع المنشور على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، أحس بالاختناق منه إذا كان قصيراً ومختصراً، وبالهروب السريع منه، نتيجة قيد الشاشة وسطوتها إذا كان النص طويلاً، ذلك لأنني أنتمي لجيل كان يقرأ الكتاب والمجلة والصحيفة من الغلاف إلى الغلاف، يَوم أن كانت العناوين والمطبوعات محدودة، وفي زمن كانت المعرفة والبطولة ـ أحياناً ـ تأتي من القرطاس والقلم كما في شعر المتنبي.

عليّ الاعتراف هنا، بأنني لأكثر من 20 عاماً خلت وأنا أحاول جاهداً أن أكون مُنْتَمياًّ لعصر أصبح فيه الرؤساء والقادة يخاطبون شعوبهم عبر«تويتر» و«فيسبوك»، لدرجة لم نعد نميز فيها بين الشخصي لديهم من المؤسسي والحكومي، وكم هي مخيفة هذه الحالة ومزعجة.

هذه المقدمة ضرورية للتعبير اليوم عن سعادتي المعرفية بالتطور الحاصل في مجلة «مراود» الصادرة عن معهد الشارقة للتراث، وهي مجلة شهرية تعنى بالتراث الثقافي محلياً وعربياً وعالمياً، حيث بدت في حلتها الجديدة إضافة نوعية للمكتبة العربية، متخذة طريقها المتميز والجامع بين المجال الإعلامي من جهة والبحث الأكاديمي من جهة ثانية.. وتلك وسطيّة نحن في حاجة إليها في ظل حبال تشدنا إليها لدرجة القطع، بين إعلام جاف ومُنفِّر في جِدِّيَتِهِ ورَسْمِيَّتِه، وبين آخر غارق في الإسفاف والابتذال.


مراود في محتواها المعرفي المتجدد، تقدم الوجه الجميل للتراث، وتفرض وجودها في الساحة الإعلامية العربية، وإن كان ذلك سيظل مشروطاً بتوزيعها على نطاق واسع محلياًّ أولاً، وعربيّاً ثانياً، وهي في تناولها وتطورها جمعت بين متعة التراث من خلال تجارب البشر الماضية والحاضرة، وبين روح العلم دون التقيد بنظرياته المغلقة أحياناً، حيث السيطرة المطلقة للمدارس والمذاهب الفكرية والأيديولوجيات والمواقف المسبقة أحياناً أخرى، المقيدة بمخاطبة فئة من الناس فقط. مراود في عددها الثالث عشر (أبريل 2019) تكشف عن أمرين، الأول: جديَّة الإشراف، فمن يقود هذا العمل يحقق مشروعاً نهضوياً مَنْبَعُه رؤية قائد مثقف وحكيم يتميز بالرشد والوعي، كما يمثل سياسة دولة، وهكذا هي الشارقة، ومَصبّه مسؤولون في الميدان يديرون مؤسسات هم أهل لقيادتها.


والأمر الثاني: نضج العلاقة بين البيئة الحاضنة لهذه المشاريع، وزمنها المعاصر، كما هي تجليّاته في هذه المجلة.. فهل ستعرفونها؟