الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

عبرة «اللاَّمُتَسَرْوِلين» للفرنسيين وللعرب

في بلد جمهوري ديمقراطي مثل فرنسا يتم سن قوانين جديدة لمواجهة أصحاب السترات الصفراء بالإيقاف والسجن وتحديد الإقامة.. هل هي العودة إلى تقاليد الاستبداد والقمع التي عرفها هذا البلد في العصور الغابرة أم هي رسالة سيلتقطها العالم عن نوعية الديمقراطية التي ينبغي أن تسود؟.

قارنت «لوموند ديبلوماتيك» في عدد هذا الشهر بين اللاَّمُتسرويلين «sans-culottes» أثناء الثورة الفرنسية 1789 وأصحاب السترات الصفراء اليوم.. كان الأوائل وهم من الثوار والمتظاهرين يلبسون السراويل المُخطَّطة الطويلة، في حين كانت بذلة السراويل القصيرة «culottes» مع الجوارب والأحذية، هي رمز الأرستقراطية والمَلكية الحاكمة، وبالطبع كانت الفئة الثانية تحتقر لباس الأولى، ولا ترى أصحابها سوى رعاع غير قادرين على الإطاحة بها، إلى أن حدث العكس وأصبح لباسهم هو رمز البذلة الثورية كما جسد ذلك الرسام لويس ليوبولد بولييه Louis Léopold Boilly في لوحته الشهيرة.

واليوم، يتكرر المشهد بصيغة أخرى، حيث لا ترى الحكومة في أصحاب السترات الصفراء سوى مناهضين لسياستها رافضين لقوانينها من أبناء الضواحي والعامة السَّاعين للإطاحة بها، لذلك فإنها عملت بما لديها من أغلبية في البرلمان إلى إقرار قانون «مضاد للمُكسِّرين» «loi anticasseurs» في الـ 12 من شهر مارس الماضي، ولم يتحفظ المجلس الدستوري سوى على مادة واحدة فيه.


والنتيجة بعد أكثر من ستة أشهر أن «الثوار» الفرنسيين الجدد لا يزالون يواصلون احتجاجهم ضد الحكومة، وضد الرئيس «ماكرون»، وما فتئت أعداد الموقوفين في تزايد (8700)، وأعداد المُدانين أيضاً (2000)، حُكم على 390 منهم بالسجن ما بين شهر واحد وثلاث سنوات، بما يعني أن حركتهم لم تنكمش، بل ازدادت اتساعاً، والعبرة من كل هذا: هل سيكون هؤلاء امتداداً لأسلافهم صُنَّاع الثورة الفرنسية ويكرِّسون أساليب جديدة في الاحتجاج على الحكم؟ أم أن النظام الديمقراطي الليبرالي القائم على التقاليد القانونية الجمهورية سيتحول إلى التقاليد القمعية الاستبدادية، التي كرستها المَلَكية والبونابارتية فيما بعد، ويُقَدَّم ذلك إلى العالم في صورة أساليب الحكم الجديدة؟ أما العبرة الأهم، التي تخصنا والتي ينبغي أن نقف عندها ملياً فهي: هل سَيَعتبر بعض حُكَّامنا أنفسهم أكثر من ديمقراطيين وأكثر من جمهوريين، وهم يرون فرنسا تفعل ما تفعل بأحفاد «اللاَّمُتَسرولين» أم أنهم سيتواضعون هذه المرة، ويَمُنُّون علينا بالقول: أيها الناس احمدوا ربكم على أنكم لا تزالون مُتسَروِلين، بل ومستورين؟!.