الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

الإعلام والتراث.. أي علاقة وأي مستقبل؟

الحديث عن العلاقة بين الإعلام والتراث يقودنا بالضرورة إلى أمرين في غاية الأهمية، أولهما: تاريخية الأحداث والوقائع من حيث هي زمن راهن، يروي الحاضر مثيله الماضي.. هنا يستدعي الحديث أو الرواية أو الأحاجي التبليغ والإعلام.

وثانيهما: العمل من أجل تحويلنا إلى كائنات تراثية من خلال الترويج في فضاء اللهفة والشوق ـ رفضاً أو قبولاً ـ لتغليب شبه مطلق لقيم الحاضر ومعانيه لكونها قبحاً يَستنجد بكل قوة بجمال الماضي، انطلاقاً من توظيف مشوّه لفعل إنساني له تجربته الخاصة.. تتحكم فيه ظروف الزمان والمكان، هذا النوع من الحديث يدفعنا إلى إعادة النظر في العلاقة بين الإعلام والتراث، حيث من الضروري أن تكون متوترة، مستفزة، مزعجة، تبتعد عن اليقين من جهة وتبحث بوعي عن الظنون حتى لو ارتقت إلى درجة الإثم، يرافق تلك العلاقة المتوترة وعي مجتمعي ثقافي بالأساس، يعترف بتلك العلاقة القائمة على التقييم النقدي.

إن قيام هذه العلاقة المتوترة يُخْضع جماعات الحاضر للمساءلة أكثر مما يشكك في التراث بمعناه العام، ذلك أن إصدار أحكام تتعلق بالتوصيف والتصنيف والاصطفاف هو تعبير عن تصادم إرادات في الواقع الراهن.. والواقع أن الإعلام الحالي بجميع وسائله وأدواته مهووس بالتراث، بدءاً بالترويح للتداوي بالأعشاب والوصفات السحرية، مرورا بالرُّقْية وليس انتهاء باستباحة الأعراض وسفك الدماء، ولو نبحث في خلفيات كثير مما نقوم به ويروج له الإعلام المرئي بما في ذلك المتمرد على الأنظمة والقوانين فسنجد التراث حاضراً ومسيطراً.


على هذا النحو نبدو من خلال الإعلام كأننا أبناء الماضي؟.. أجل نحن كذلك فعلاً، ولكل منا جنونه بالتراث وطرق السقاية والاستفادة منه متعددة، غير أنها ليست بادية للعيان في كل المناسبات، كما أنه لا تتم الاستفادة لأجل إحداث تغيير مؤسس.. حيث غياب الإدراك والوعي بالتجارب بما فيها تلك القريبة منا.


من الناحية العملية يبدو الإعلام مهتماً في الظاهر بالتراث خاصة حين يكون في ذلك تجاوب مع صانع القرار في محاولات غير جادة ولا واعية.. إنما استجابة لرغبة تشكل في معظم الأحيان رد فعل.

من ناحية أخرى فإن التناول الإعلامي لقضايا التراث اليوم هو حال من السباق للعيش في كنف التراث وليس لأجله، وفي ظل تراكم ثقافة الاستهلاك لكل ما هو جاهز فإن التعامل معه يتم على هذا الأساس.