الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العدالة الاجتماعية في شارع «الشانزليزيه»

أطرف تعليق سمعته حول أحداث فرنسا كان لأحد المحللين السياسيين حين سُئل: ألا يجب أن يراعي المتظاهرون من أصحاب السترات الصفر خطورة احتجاجاتهم على الاقتصاد الفرنسي وأن يتجاوبوا مع تنازلات ماكرون ويقدموا هم أيضاً تنازلات؟ أجاب: إنه من الصعب تعاطف الفقراء مع رئيس آت من الطبقات الغنية والمرفهة.. نعم، هذا صحيح، إذْ ليس على الطبقات الفقيرة أن تتعاطف مع الأغنياء، لأن هذا عكس القوانين الكونية الطبيعية.

واحدة من القراءات النقدية لأسباب الأزمة الاقتصادية في فرنسا، تشير إلى أن السياسات الفرنسية الحالية تهدف إلى زيادة أرباح الشركات التجارية الكبرى على حساب المواطنين من الطبقة الوسطى، وكي نفهم مدلولات هذه القراءة علينا أن نعلم أنه يكون شبه استحالة أن يصل رئيس في الغرب إلى سدة الحكم دون دعم المراكز المالية الكبرى له، لذلك فإن جزءاً كبيراً من برنامجه مخصص لحماية مصالح الشركات التجارية التي دعمت حملته الانتخابية، هذا يعني أن الديمقراطية الغربية ليست بالمثالية والنموذجية التي يروج لها عندنا، وتلك ليست مشكلة اقتصادية، إنما هي معضلة حضارية لها تأثيرها في العالم كله.

فالسيطرة على رأس المال المحلي والعالمي ومضاعفة الثروات هو غاية كبرى للعديد من الدول ومن الشركات العابرة للقارات، وهي أهداف تستدعي رسم سياسات استعمارية بصور متعددة، فتاريخ فرنسا الاستعماري لم ينته بانسحاب جيوشها وقواعدها من مستعمراتها القديمة، فقد ربطت فرنسا اقتصاد مستعمراتها القديمة في أفريقيا بالفرانك الفرنسي، وبالاقتصاد الفرنسي بحيث تكون لفرنسا الأولوية في التعاملات التجارية والعسكرية، وفي عام 2008م صرح الرئيس الأسبق جاك شيراك قائلاً: «بدون أفريقيا.. فرنسا سوف تنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث»!! وليست فرنسا وحدها التي تمارس السيطرة الاقتصادية على الدول الأفريقية، فهناك دول أخرى أيضاً، ومع هيمنة العولمة وأدواتها على الاقتصاد العالمي صار للمنظمات الدولية، مثل: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تأثير خطر على رسم السياسات الاقتصادية لدول العالم الثالث، وأدى كثير منها إلى انهيار اقتصاد تلك الدول.


الأزمات الاقتصادية في العالم ليست نتاج سياسات محلية مضطربة فحسب، إنها نتاج استراتيجيات اقتصادية عابرة للدول تحفظ مصالح ما لا يزيد عن عشرة في المئة فقط من سكان كوكب الأرض الثري بالموارد والغذاء والمياه، الذي يعيش أكثر من 50 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، ولذلك فإن نضال الشعوب ضد السياسات الاقتصادية التي تسحق الطبقات الوسطى وتحرم المواطنين من الدعم الحكومي هو صورة حضارية من صور التحرر ضد الظلم والاستغلال والفقر.