الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

كُلُّك عورات.. وللنَّاس أَلْسُن

حال العاقل، هي التفكير في عيوبه ونقصه، ومحاولة إصلاح تلك العيوب، ومن الذي يخلو منها؟ وبعض الناس وللأسف الشديد على العكس من ذلك، فهو المحنك النبيه وغيره لا يفهم في جميع الأمور، وهو من ورث الفضائل كابراً عن كابر والناس غيره فيهم كذا وكذا من العيوب، وقد يتطور الأمر إلى عنصرية بغيضة واحتقار مقيت للآخرين، وهذا والله داء عضال، فيه ضياع الدين والدنيا، فالنبي عليه الصلاة والسلام حذرنا من الإساءة للناس واحتقارهم، بل بين صلى الله عليه وسلم أن التفاضل بين الخلق إنما يقع بتقوى الله فقال: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى».

وفي حياتنا اليومية وفي مواقع التواصل خصوصاً قد نرى ونسمع إساءات كثيرة للناس، فهذا يطعن في أم فلان، وذاك يقذف امرأة بالعظائم، وآخر إذا رأى طفلة يتيمة أعرض عنها بسبب لون بشرتها!، ثم ينشر فعلته المشينة دون أن يشعر بشيء من الحياء والخجل إلى غير ذلك من النماذج المؤلمة.

لقد تجاهل الناس عيوبهم واتجهوا لعيب الناس وذمهم، لذلك نحن بأمس الحاجة اليوم إلى تذكير خاص بضرورة البعد عن هذه الآفات القبيحة، والأصابع التي توجه للناس ينبغي أن توجه للنفس، فمن لام نفسه على تقصيرها حرص على استكمال نقصها، وعلينا أن نعي قول الإمام الشافعي:


لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكُلُّك عورات وللناس أَلْسُن


كما لنا العبرة في قصة ذكر ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر، حين قال: «وقد روينا: أن رجلاً من الرهبان رأى في المنام قائلاً يقول له: فلان الإسكافي خير منك!، فنزل من صومعته، فجاء إليه، فسأله عن عمله، فلم يذكر كبير عمل فقيل له في المنام: عد إليه، وقل له: مم صفرة وجهك؟ فعاد فسأله؟ فقال: ما رأيت مسلماً إلا وظننته خيراً مني. فقيل له: فبذاك ارتفع».

وإذا حضرت في مجلس فتذاكر أهله عيوب الناس وشرعوا في ذمهم فذكرهم بالله وانصحهم وعظهم، فإن لم يستجيبوا فاخرج منه، فمن تكلم على غيرك بحضرتك قد يتكلم عليك في غيابك.

قال الإمام مالك بن أنس: «أدركت بالمدينة قوماً لم تكن لهم عيوب فبحثوا عن عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوباً، وأدركت بها قوماً كانت لهم عيوب سكتوا عن عيوب الناس، فسكت الناس عن عيوبهم».