السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

صراع أجيال.. أم ميراث من الاستبداد؟!

منذ سنوات بعيدة والمواطن العربي يحلم بشيء يسمى الحرية.. أن يفكر كما يريد من دون وصاية من أحد، وأن يعبر عن رأيه بلا اضطهاد، وألا يجد خلفه وأمامه وفي غرفة نومه من يسجل عليه كل صغيرة وكبيرة.

لقد ظل هذا المواطن يقاوم الغزاة ويحاول تحرير وطنه وإرادته، وقد استشهد الملايين في سبيل هذه اللحظة التاريخية، وحصل هذا المواطن على الاستقلال وحرّر أرضه وبلاده ولكنه لم يحصل على حريته، ذلك أن بعضاً ممّن حرَّرُوا الأوطان وقاوموا الغزاة اعتبروا السلطة حقاً لهم، وكانت النتيجة أن بقيت تلك القوى تسيطر على مقاليد الأمور في كل المجالات (الفكر والثقافة والعلم والإدارة والحماية والأمن والاستقرار.. إلخ)، وتمكنت من السلطة تحت نظم ثابتة لم تتغير وإن تغيرت بعض الوجوه والأشخاص، وهنا كان ظهور مصطلحات مثل: أهل الثقة وأهل الخبرة، وأعداء الشعب وأنصاره.. على خلفية ذلك انقسمت مجتمعاتنا بين من في يده القرار، وبين من لا حول له ولا قوة، وهنا أيضاً توارثت الأجيال الأدوار نسباً أو قرباً أو ثقة أو انقساماً.

مع مرور الوقت والزمن وفساد المنظومة كلها ـ أخلاقاً وسلوكاً ـ كان لا بد من أن تظهر في الأفق أجيال جديدة تطالب بحقها في الحرية التي أجهضتها عصور من الاستبداد، وتحت شعارات الثقة والولاء، وأن تطالب هذه الأجيال بحقوقها في أن تحلم وتمارس وتعيش.


وأمام الكبت السياسي، وقوى الاستبداد التي ورثت السلطة من بعضها ولم تغير شيئاً، بقيت الأجيال تسلم لنفسها أحلامها المجهضة، وكان من الصعب أن تبقى الحال على ما هي عليه أمام نظم لم تغادر مواقعها عشرات السنين، تحت شعارات براقة، وأصبح من حق الأجيال الجديدة أن تكمل المسيرة وتبني المستقبل.. هنا ارتفعت صرخات شبابية صغيرة في صورة تحركات فكرية أو ثقافية أو سياسية تطالب بحق الأجيال في التغيير، ولكن هذه الحركات واجهتها أساليب قمع وصلت إلى حدّ التصفيات الجسدية والمعنوية.


ومع اتساع أفق الحياة واصلت هذه الأجيال نضالها من أجل بناء مجتمعات حقيقية تقوم على الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وهنا كان الصدام بين أجيال ترفض أن تفرط في سلطة اكتسبتها مع الزمن وأجيال تطالب بحقها في الحياة، والسبب في كل هذا الصراع أن هناك ميراثاً طويلاً من القمع والاستبداد أمام أجيال تفتحت على عالم جديد من الوعى والمعرفة والحضارة.

لقد أجلت وسائل القمع الأمني والفكري حركات الشباب ووضعت أمامها مصاعب كثيرة في الحركة والتعبير والمقاومة، إلا أن الصراع أصبح ضرورة لا بديل عنها أمام قوى ترى أنها حررت شعوبها وأن السلطة حق دائم لا تنازل عنه، وأجيال أخرى ترى أننا أمام زمان آخر، وما كان بالأمس حقاً أصبح اليوم عبئاً، وعلى الأجيال أن تسلم الأمانة لبعضها ما دامت حشود الأجيال مستمرة في رفع مطالبها وحقها في الحرية والكرامة.