الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

الحراك الملتبس في شمال أفريقيا

يلاحظ أن الحراك الشعبي في كل من السودان والجزائر واعٍ بمخاطر «الإخوان الإسلاميين» وقدرتهم في الالتفاف على مطالب الشعب بهدف الوصول إلى السلطة، فالطبقة الوسطى في البلدين تعبئ تلقائياً هذا الحراك وتقوده لدحر منظومة الحكم التقليدية ورموزها الفاسدة.

ففي الجزائر تحاول هذه الطبقة ممارسة دورها في الشارع باستقلالية عن الجيش حتى لا يسحب منها في نهاية المطاف هذه الوظيفة، كما حدث في التسعينات، أو كما حدث في مصر عندما بادر الجيش بحسم المواجهة مع الإخوان المسلمين.

ما حدث في السودان، وسيطرة الجيش على الحكم بالرغم من أن الطبقة الوسطى كانت قائدة الحراك، له تفسير واضح ينسحب على واقع الانتفاضات التي شهدتها البلاد العربية وهو غياب تنظيم سياسي ومدني له القدرة على التأطير والقيادة والحكم، وفق مرجعية لها امتدادها الاجتماعي والثقافي والسياسي بما يجعها فكرة مشتركة للتغيير.


إشكاليَّة الطبقة الوسطى المتنورة في حراك مصر والسودان والجزائر، فضلاً عن هشاشة علاقتها بالمجتمع، أنها لم تنتبهِ إلى استراتيجية الانفتاح على الحركات السلفية ذات المعنى «الطهوري» باعتبارها ليست حركة سياسية تهدف للوصول إلى الحكم، لكن الإخوان تمكنوا من التقاط الرمزية الثقافية للسلفيات في المجتمعات العربية، فاجتهدوا في توطيد علاقاتهم بها لتكون خلفية أيديولوجية مؤثرة أساسها خطاب «الضحية» (المسلمون مستهدفون) الذي أصبح أداة للتجييش العاطفي والانتشار عبر الدعوة التربية.


أما عن علاقة الجيش بالحراك والاستيلاء عل الحكم فهي تختلف ما بين السودان والجزائر ومصر، فالطبقة الوسطى قائدة الحراك في السودان مثلاً انفتحت على الجيش الذي تجاوب معها في الإطاحة بالحكم، بخلاف الجزائر التي دعت فيها هذه الطبقة إلى إنهاء حكم الجيش ومطالبته بالعودة إلى ثكناته.

ولئن كان يبدو في الظاهر أن الجيش قد أبدى رغبته في ترك الحكم في الجزائر والسودان، فما ذلك إلا لممارسة لعبة سياسية جديدة أساسها تصالحه مع الشعب وضمان استقراره، لكن تجربة الجيش في ليبيا استبقت الوظيفة المرتقبة للطبقة الوسطى ضد الأوضاع المتردية فيها، لذلك عمل على الهجوم على طرابلس ليس فقط استرضاء لحلفائه في محاربة الإسلام السياسي، وإنما امتصاصاً لغليان الشارع الذي بدأت تستهويه رغبة الانتفاضة تأثراً بالسودان والجزائر.

تبقى إشكالية الجيش والطبقة المتوسطة وتنظيمات الإسلام السياسي في خضم الحراك الذي يشهده الشارع في شمال أفريقيا من أعقد الإشكاليات التي ستكون لها انعكاسات سياسية وأمنية خطرة على منطقة شمال أفريقيا أوروبا.