الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

ماذا تريد تركيا من ليبيا؟

لا يبدو أن الأزمة الليبية تختلف عن الأزمة السورية كثيراً، سواء في تعقيداتها وصعوبة التعامل معها، أو عدم وضوح نتائجها على المدى الطويل، فهي قريبة من أوروبا كما أن سوريا قريبة من إسرائيل، وربما كانت ليبيا أكثر تعقيداً بسبب مصادرها النفطية الكبيرة، وأهميتها الكبيرة في حماية بوابة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والأطراف الدولية اللاعبة في ليبيا لا تقل عدداً عن الأطراف اللاعبة في سوريا، وهذا ما جعل تركيا في سوريا فاقدة القدرة على إنهاء الأزمة لصالح الطرف الذي كانت تؤيده، وانتهت أخيراً بالسعي لحماية نفسها وحدودها وأمنها القومي فقط، بغض النظر عن بقاء النظام أو زواله.

هذه السياسة التركية الخاطئة في سوريا فرضت عليها التراجع عن دورها في سوريا، وذلك بعد أكثر من ست سنوات من محاولة الدفع باتجاه حل معين، كانت تختلف فيه مع أصدقائها الجدد روسيا وإيران ضد حلفائها الغربيين، وتنسيقها مع أصدقائها الجدد مكنها من الدخول الحذر في درع الفرات وغصن الزيتون، وهي حتى الآن لا تأمن نتائجهما، ويجعلها حذرة من دخول منبج وشرق الفرات.

هذا الدرس السوري ينبغي أن يكون حاضراً قبل أن تتخذ السياسة التركية أية خطوة تورطها في ليبيا أكثر مما هي متورطة؛ فالمشكلة في ليبيا هي مع دول كبرى لا تستطيع التخلي عن مستقبل ليبيا، وما موقف هذه الدول الكبرى من الاحتجاجات في الجزائر والسودان ببعيد، فأوروبا ومن ورائها أمريكا لا تستطيع ترك المنطقة من دون متابعة أمنية وسياسية وعسكرية، فمستقبل ليبيا يؤثر بشكل مباشر في أوروبا وأمريكا والمنطقة، واقتصاد هذه الدول مرتبط بشكل مباشر بالاقتصاد الأوروبي والعالمي، ولذلك مهما جاءها من زعماء منتخبين فإنهم مضطرون لإعادة رسم خارطة علاقاتهم الدولية مع أوروبا وأمريكا، وإلا أدخلت شعوبها في مجاعات ومشاكل اقتصادية لا تستطع إخراجهم منها، وما نتائج تغيير النظام السياسي في تونس ببعيد.


إن قرار تركيا بالوقوف علانية إلى جانب أحد أطراف النزاع الداخلي في ليبيا هو دفع لمزيد من الاقتتال في ليبيا، بينما يمكن أن تلعب السياسة التركية دوراً وسيطاً بين الأطراف الليبية كما فعلت سابقاً، وأن تدعو المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى حصر النزاع الليبي في الأطراف الليبية فقط، ومطالبة الأطراف الخارجية بأن يكون موقفها هو الوساطة السياسية بين جمع الأطراف الليبية الداخلية، وطرد جميع المنظمات الإرهابية الخارجية ومنعها من التغلغل داخل الشعب الليبي، وهو أمر لمصلحة تركيا؛ فالاصطفاف التركي مع أي طرف سيؤدي إلى خسارة محققة كما هي الحال في سوريا.