الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

المكتبات.. وصناعة المعرفة

احتلّت المكتبات بوصفها بيوتاً للعلم ومصادر للمعرفة قدسية خاصة منذ القدم، ولأن المعرفة مرتبطة بإثارة التساؤلات وأخذ الأفكار وردّها ـ المألوفة منها وغير المألوفة ـ فإنه لم تكن رحلة الاكتشافات هذه خالية من التشويق.. فالعقل المفكّر لا يمكن أن يسلّم بفكرة أو رأي دون تقليب وتشذيب وإعادة طرح حسب منظور قد يتفق أو يختلف مع منظور آخر، وبهذا نبني على ما سبق من تجارب ونطوّر لما هو آتٍ، وتشكّل هذه الرحلة متعة خالصة للمفكّر فكيف لو تشرّبت بعد هذه الرحلة بمتعة التثبت واليقين؟.

إن فكرة مكتبات العصر الحديث تكمن في تمكين المتلقي من استخدام مصادر المعرفة المتنوعة والغزيرة بالشكل الأمثل، فلا يكفي أن نقرأ كثيراً بل أن نستفيد مما قرأناه أيضاً، ولذلك نحن نشارك بعضنا خلاصة القراءات مثلما نشارك خلاصة التجارب والأحداث، ثم نطرح كل ما قرأناه على طاولة النقاش فنتفق ونختلف في بيئة صحية تدفع إلى مزيد من الاكتشافات وربما إصدار المزيد من الكتب.

إن عملية تدوير الأفكار هذه بشكل تلقائي وروتيني في حياتنا اليومية تدفعنا أفراداً ومؤسسات إلى بناء مجتمع يقوم على احترام الرأي الآخر أولاً، والبحث عن دلائل تدعم هذه الآراء مما قرأناه وتعلّمناه ثانياً، وبالتالي نُسْهم في تشكيل إطار علمي وممنهج للتفكير، فلا نعود نقبل بالشائعات والأقوال السطحية ولا نأخذها على محمل الجد.


إن هذا الوعي يجب أن يكون ذاتياً من الشخص نفسه عبر تمكينه بأدوات التفكير النقدي الذي ينتقي الطرح المناسب، ويرتقي به، ولذلك تقع على عاتق المؤسسات الثقافية والتعليمية عملية تمكين الفرد ـ منذ سن الطفولة ـ بهذه الأدوات، التي ستحوّله من مجرّد متلقٍّ للمعلومة إلى صانع لها، ومن هنا نبني اقتصاداً قوياً للمعرفة، يبدأ من الفرد نفسه إلى المجتمع.