الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

العفو

ما أجمل أن نتحلى بالعفو! في شهر العفو والتسامح، العفو: كلمة تدل في الأصل على ترك الشيء، ومنه ترك الله تعالى لعباده فلا يعاقبهم فضلاً منه، والعفو أن تترك إنساناً استوجب عقوبة فتعفو عنه، والله هو العفو الغفور، والعفو صيغة مبالغة على فَعُول تدل على تكرار العفو منه سبحانه مرة بعد مرة لعباده، وقد مرت علينا ليلة النصف من شعبان التي حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على التسامح والعفو، وقال إن الله تعالى يطلع فيها على عباده فيغفر لهم كلهم إلا لمشرك أو مشاحن، فنبذ الشحناء وبيّن أنها محبطة للعمل فلا يرفع إلى السماء، ومن منا لا يطمع في رفع عمله ونيل ثوابه، إن الأعمال ترفع إلى الله تعالى يومي الاثنين والخميس فيغفر لكل الخلق إلا لرجلين متشاحنين فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، وبين العفو والغفران تقارب في المعنى إلا أن العفو أبلغ منه؛ لأن العفو إزالة الذنب ومحوه، أما المغفرة فهي ستر الذنب، ولا شك في أن العفو أبلغ من الستر، وكان من جميل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لربه: اللهم إني أسألك العفو والعافية، وعندما سألته السيدة عائشة رضي الله عنها عن دعاء تدعو به ربها ليلة القدر، أوصاها أن تدعو: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، إن اتصاف المجتمع بالعفو أمر يؤكد قوته وتلاحمه وتماسك أبنائه، وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في العفو، مثل عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل ثقيف وقد لقي منهم ما لقي من عنت وتكذيب وقذف بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، وعفوه عن أهل مكة بقوله: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وعفوه عن عكرمة بن أبي جهل عندما جاءه مسلماً، وكان قد بذل كل غاية في الصد عن سبيل الله، وعفا سيدنا أبوبكر الصديق عن مسطح بن أثاثة الذي تولى كبر حادثة الإفك بحق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ومع هذا عفا عنه وأجرى له ما كان يبذله له طمعاً ومحبة في غفران الله تعالى له، ومن أجمل ما قرأت قول ابن القيم: إن بينك وبين ربك ذنوباً لا يعلمها إلا هو، فإن أردت أن يغفرها لك فاغفر لعباده وإن أردت أن يعفو عنك فاعف عن عباده، فإن الجزاء من جنس العمل، اُعْفُ هنا يُعْفَ عنك هناك.