الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

سؤال الحراك والاستقرار

أصبح واضحاً أن النظام السياسي العربي، المستمد من المرجعيات الليبرالية، لم يستطع معالجة المعضلات الكبرى، المرتبطة بالعدالة الاجتماعية والسلم الأهلي، وذلك بسبب طبيعة هذا النظام نفسه، الذي يفتقر لرؤية استراتيجية حاملة لمشاريع واضحة ولحلول ناجعة.

إن فشل المشروع التنموي في معظم الأنظمة العربية لم يؤد إلى كارثة الربيع العربي فقط، ولكن إلى توتر تاريخي في مسار التطور الطبيعي للمجتمعات العربية نفسها، ومن نتائج هذا التوتر انفجار الرغبات المكبوتة في الحروب الأهلية والطائفية، والميل إلى الفوضى والعنف في مقابل الانتظام الطبيعي الذي يمثله مفهوم الدولة.

وإذا كان هذا التوتر قد وجد تعبيراته في الإسلام السياسي، الذي جسد كل البشاعات الإنسانية من خلال فصائله المتطرفة والعنيفة، فإنه اليوم ينزاح إلى منعطف آخر وهو الانتفاضة المفاجئة للشارع العام بمختلف الانتماءات، التي تمثل حساسيات المجتمع.


بمعنى أننا أمام جيل جديد من التوترات التي أصبحت تنافس الإسلام السياسي، وتحاول تجاوزه وعياً منها بالمخاطر التي ترتبت عنه، وبالويلات التي ألحقها باستقرار المجتمع، لذلك، فهي تسعى جاهدة إلى محاصرته وتقويضه كما حدث أخيراً في حراك الشارع في الجزائر وفي السودان، وهذا ما يفسر احتماء الشارع المصري والسوداني بالجيش على عكس الشارع الجزائري الذي يدعو إلى دولة مدنية.


إن الإلحاح على مطلب التنمية من طرف الشارع في ظل نظام سياسي يتخبط في دوائر الليبرالية المتوحشة، وتزايد الفوارق الاجتماعية والمجالية، وفقدان الثقة في المؤسسات، سيجعل ما تبقى من الأنظمة العسكرية العربية في موقف حرج ومختلف عما كانت عليه سابقاً.

فبالرغم من محاولة استباق مصر لأي انتقاد داخلي مرتقب لنظام الجيش بإدخال تعديل دستوري ينص على أن الجيش ضامن لإقرار الدولة المدنية واستمرارها، فضلاً عن أن فكرة الجيش نفسها أصبحت ثقافة مصرية، فإن فشل التنمية والأعطاب الاجتماعية التي ترافقها ستعمق فجوة التوتر داخل المجتمع المصري، وتتجاوز قناعة المجتمع بأن الجيش حامي المدنية ضد الإخوان المسلمين، وهذا الأمر سيفضي إلى مؤشر موضوعي ينبئ بانفجار حتمي وقريب للشارع المصري، ومن نتائجه إما اصطدام الشارع بالجيش، وهذا له تداعيات سلبية سياسية وأمنية داخلية وخارجية، وإما انبعاث الإخوان المسلمين وتغولهم في المجتمع المصري وهذا له آثاره الكارثية على التطور الطبيعي للتاريخ وللمجتمع المصريين.

إذا لم يتم استيعاب انسياب الحراك في المجتمعات العربية بخطط تنموية مستعجلة وبراغماتية، فسيأخذ حراك الشارع اتجاه النديَّة مع الدولة، وستنقطع في سياق الاحتجاجات المحتدمة التي يشهدها العالم والمنطقة كل أواصر الثقة بين الطرفين، ما يعقد مهمة الحوار ويجعل سقف المطالب مرتفعاً.

وهذا ما يحدث اليوم في الجزائر بعدم اكتفاء الشارع بما انتزعه من حقوق، وأشد ما نخشاه، هو الانتهاء - نتيجة للحيوية القصوى للشارع ـ إلى مواجهة دموية بين الجيش والشارع، وستكون نتائجها وخيمة على المنطقة.