الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

السودان والجزائر.. الواقع والطموح

في الوقت الذي تتواصل فيه الاحتجاجات في كل من السودان والجزائر، بعد خلع الرئيس السوداني عمر البشير وتنحي الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، تسود حالة من الارتباك السياسي في كلا البلدين، فالسودانيون يرفضون المجلس العسكري ويطالبون بحكومة مدنية، والمتظاهرون الجزائريون يرفضون الذهاب إلى انتخابات مدنية تفرز رئيساً جديداً، وكأن الشارع هو الذي سيحكم البلدين، أو أن الهدف هو إزالة النظام مع غياب رؤية واقعية للحكم ومستقبل البلاد.

ما الذي يريده المتظاهرون في الشوارع؟، وهل ستبقى لغة التحشيد هي السائدة، من دون الوصول إلى حل مقبول لجميع الأطراف؟ وهل ستبقى مؤسسات الدولة مشلولة بسبب عدم وجود اتفاق على توجه محدد، يجنب البلدين المزيد من الأضرار؟.. المشكلة تكمن في أن المحتجين في الشوارع - وهنا أعمم ولا أخصّص - خرجوا فقط لتغيير النظام، ولم يضعوا في حسبانهم المرحلة التي ستلي التغيير، وكيف ستدار الأمور، وأي نوع من الحكم الرشيد يسعون إليه، لتبدأ عجلة المفاوضات والاشتراطات الآنية بين أخذ ورد، وتبقى دوامة الاضطراب تزداد إلى درجة باتت تهدد معها بالدخول في فوضى التغيير، وانقلاب الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه.

الدول لا تبنى أو تتطور بقرارات تتخذ في الشوارع، والشعوب تخرج لتعدل المسار، ولكنها لا تبقيه معلقاً، فلا يمكن إنهاء نظام كان قائماً، وعدم السماح بتكوين نظام جديد مكانه يدير دفة الأمور ويسير بالبلاد نحو المستقبل، الشارع يقول كلمته وهو في الوقت ذاته مطالب بالاحتكام إلى مؤسسات الدولة، وأن يضع حلولاً منطقية قابلة للتطبيق، وأن يقبل بالحلول الوسط، ففي النهاية يجب أن تتسلم سلطة ما إدارة الدولة، وإلا انتفت عنها صفة الدولة.


الناس بحاجة إلى تأمين متطلباتهم اليومية، وتسيير شؤون حياتهم، فكيف سيتحقق ذلك ومؤسسات الدولة معطلة، فهل طرح المحتشدون على أنفسهم السؤال التالي: لو قمنا بتغيير جذري وشامل لجميع مسؤولي الدولة، فمن سيوفر للناس رغيف الخبز في اليوم التالي؟، ويتبع ذلك بسؤال آخر: هل المطلوب التغيير إلى الأفضل، أم التغيير من أجل التغيير، وترك الأمور للتحشيد في الشارع إلى ما لا نهاية؟.


لا ننكر على الشعوب حقها في قول كلمتها والبحث عن مستقبل أفضل، ولكن البقاء في الشارع أياماً وشهوراً وعدم تحكيم العقل، والقبول بمرحلة انتقالية تفضي إلى تغيير أوسع وأشمل، هو الانتحار بأم عينه.