الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

العرب.. البُلهْنيَّة وانتقام العاجز

على عكس نظرتنا إلى كون الله.. ها هي أبصارنا لا تنقلب خاسئة وهي حسيرة، من كثرة ما ترى من عيوب عملية صُنْع القرار في معظم الدول العربية، وقد اعتقدنا لسنوات أن ذلك وليد الانفرادية والتسلط، والوراثة غير الشرعية للمستعمر، لكن يبدو أن الأمر نتاج ثقافة مجتمعية عامة، فُهمت فيها السلطة بكل أنواعها ـ وليست السياسية فقط ـ بأنها مكاسب آنية من منطلق نفعي، لذلك تبدو الشعوب العربية في احتجاجاتها ـ كما هي في الوقت الراهن ـ باحثة عن سلطة، وإن ادَّعت سعيها للعدالة، أو مطالبتها بحقوق مسلوبة في نظرها.. إنها شريك في السوء وفي الوعود الكاذبة، تحت مسمى «المظلومية»، تماماً مثل كثير من قادتها الذين يبررون الفشل بطغيان وتسلط القوى العالمية.

هناك حالة مَرضية عامة لدينا جميعاً تظهرها علاقاتنا بين الأفراد والجماعات والشعوب وحتى الدول، هي «انتقام العاجز»، ويتوزع بين جلد الذات، والبطش الجبار بيننا.. طرقنا سالكة دائماً نحو العداوة، وكلما جاء ذكر الإخوة والأشقاء، وأبناء الأمة الواحدة، فإن ذلك يعني لحظة توافق لا تعمر طويلاً.

قد لا يكون ذلك مقلقاً إذا نظرنا إليه من زاوية التاريخ، وتحديداً منذ أن تعلم الإنسان من الغراب كيف يواري سوأة قتل أخيه، لكن بمعطيات العصر، حيث التكتل على أساس أممي، يبدو الأمر مخيفا، كما لم يعد مقبولاً الاتكاء على خلفيات الميراث الدموي لصراع سابق بين العرب في الجاهلية، وفي محطات كبرى في تاريخنا الإسلامي للقول إن ما يحدث اليوم أقل، أو أن هزائمنا في الوقت الراهن ليست أكبر من ويلات أجدادنا أمام المغول والتتار والاستعمار الغربي، وكأننا اليوم نعيد مشهد الهجوم المنتظر لكسرى، وحال العرب في ذلك الوقت، وهي كما قال الشاعر لقيط بن يعمر الإيادي:


مالي أراكم نياماً في بلهنيةٍ


وقد ترونَ شِهابَ الحرب قد سطعا

يا لهفَ نفسي إن كانت أموركم

شتى وأُحْكِمَ أمر الناس فاجتمعا

نخاف اليوم أن يتخطّفنا الناس في حال من الوهن ونحن نعيش في بلهنية، مع أننا على مستوى الشكل والتنظير وحتى التنظيم دول قائمة وذات سيادة.. ننتظر حكم الآخرين عنا ـ أفراداً وشعوباً وحكومات ـ وحين ينشغلون بغيرنا نطالبهم بضرورة التدخل.. إنهم في نظرنا النموذج الأصلح والأرقى والأفضل.. أيمكن لنا بعد هذا كلّه التعويل على تغيير منتظر من دون أن يكون الآخر حكماً وآمراً وناهياً في كل قضايانا؟!.