الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

اعتذار القرني لا يدين الصحوة

قدم عايض القرني اعتذاراً (صادماً) للبعض عن ثلاثين سنة من إدخال الأمة الإسلامية في تيه ما سمي بالصحوة الإسلامية، وكل ما في الأمر أن القرني حاول إعادة تقديم نفسه للمرحلة المقبلة، استناداً إلى ما بدا أنه مراجعات فكرية (تعلم) منها الشيخ ونضج، وما يبدو أن الشيخ لم يدركه بعد هو أن زمن الصحوة قد ولَّى كاملاً بأفكاره ورجاله.

فسر القرني سبب انهيار الصحوة بصدامها مع الدولة وكبار العلماء، وعرج بخجل على مسألة الغلو والتطرف، وفي حقيقة الأمر ليست هذه المشكلة الجوهرية للصحوة، فـ (دعاة) الصحوة تصادموا مع المسلمين مباشرة عبر تنصيب أنفسهم أوصياء على قلوب الناس وسلوكياتهم، وعبر (انتخاب) مجموعة محدودة ومحددة من المعتقدات والشعائر والمظاهر، واعتبارها المنهج الصحيح الوحيد لدين الله، وحاربوا المفكرين والكتاب والمثقفين والفنانين واعتبروهم دعاة للإلحاد والفجور، وصبوا جام خوفهم وقلقهم على المرأة فحولوها إلى قنبلة موقوتة تمشي على الأرض، فحجموها وعزلوها واختزلوا كيانها في طاعة زوجها وإرضائه.

وانتهت تلك الممارسات بتكفير وتفسيق وإحلال دم كل من يناقشهم، فضلاً عن مخالفتهم، ما أذكى ثقافة الاغتيال، فقتل بموجبها عدد من المفكرين، وهذا المنهج هو امتداد للعقيدة (القطبية) التي وضع أسسها سيد قطب في كتابه «معالم على الطريق»، وتنص على أن المجتمع المسلم قد عاد إلى جاهلية هي أشد من الجاهلية الأولى وأن على (الدعاة) إعادة المجتمع إلى دين الحق.


ومن عاش فترة ما سًمِّي بالصحوة يعرف أنها تبدأ من القبر، ومعرفة عذابه ونعيمة ورحلة البرزخ حتى نهاية أهوال يوم القيامة، ومن ثم ينشغل المسلم بطول اللحية وقصر الثوب وسعة العباءة وكيفية المأكل والمشرب، ودخول الخلاء وفق السنة النبوية، وكلها تصنف وسواساً دينياً ما أنزل الله به من سلطان.


والفضل الحقيقي في تفكيك الصحوة وتحجيم سلطة دعاتها يعود إلى (مأمون) عصره سمو الأمير محمد بن سلمان، الذي أعلنها مدوية بأن زمن الصحوة قد انتهى، وأننا غير مستعدين لهدر ثلاثين سنة أخرى في تيه الصحوة، فاتَّخذ مجموعة من الإجراءات علقت عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفتح مجال الحريات الفردية الدينية والاجتماعية.

هنا علينا تقديم شكر لا بد منه لكل الذين واجهوا تغوّل الصحوة، وتجبر رموزها، وتحملوا سيف التشهير والتكفير والازدراء الاجتماعي في الثلاثين عاماً الماضية، والشكر أيضاً للتنويريين الجدد الذين يعيدون قراءة الموروث الديني محاولين وضع الدين في موقعه الصحيح الذي يحفظ مكانته كعلاقة روحانية فردية مع الله، فيحمون المسلمين، بذلك، من موجات التطرف وفلتات التمرد الديني.