الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

القراءة من أجل القراءة

نصحت الروائية الإنجليزية جين أوستن، وهي على فراش الموت، ابنة أختها بالتوقف عن الكتابة حتى تبلغ السادسة عشرة من عمرها. كانت هذه المراهقة مولعة بالكتابة، وتريد أن تكون مثل خالتها كاتبة معروفة، غير أن للروائية العظيمة رأى آخر «رغبت دائماً في لو أنني قرأت أكثر مما كتبت في السنوات المماثلة».

القراءة هي الرصيد اللغوي والمعرفي لأي كاتب، يريد أن يحول خبرة الحياة إلى عمل أدبي.. يقرأ الروائي مثلاً مئات الروايات، ويعيش عشرات السنوات، ليكتب عملاً يقرأ في بضع ساعات.. في هذا العمل، تتكثف خبرته في الحياة والقراءة، وهو عمل ليس بريئاً على الدوام، ليست هناك كتابة تولد من الفراغ.. لا يوجد نص إبداعي بلا آباء.

جين أوستن لا تحث أبنة أختها على القراءة التراكمية، من أجل الكتابة بحد ذاتها، أو من أجل هدف واحد، هو أن تقف فوق كدس الكتب التي قرأتها لتكتب، هي تريدها أن تعشق الكتب وتستمع في رحلتها مع كل كتاب.


كثيراً ما يشغلني سؤال حول جدوى القراءة المهارية.. تلك التي يستغرق فيها الكاتب وقته وجهده للحصول على كم قرائي يؤهله للكتابة.. فهل عليه أن يتخلى عن متعته من أجل صقل موهبته؟، وهذا حق مشروع دون شك يصب في مصلحة الكاتب، لكنه، من جهة أخرى، يسرق منه ما يحلو لي أن أسميه القراءة المرحة، المنزهة من القصديَّة الوظيفيَّة، والبعيدة عن الهم، الذي يرافق فكرة القراءة من أجل الكتابة.


وظيفة القارئ الحقيقي لا تقل أهمية عن وظيفة الكاتب الحقيقي، بشرط أن يقرأ الأول وهو غارق في متعته، ويكتب الثاني لكي يستمع في رحلة الكتابة. كل قراءة ليست مرحة لا يعول عليها.

لم نسمع أن لجين أوستن أبنة أخت صارت كاتبة، ربما هي لم تسمع كلام خالتها المحتضرة، أو أنها أدركت أن القراءة هي فعلها الإبداعي الذي يستحق كل وقتها.