الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

المكان في الرواية الشعبية

في الأدب الروائي، لم يُشبع الأمكنة وصفاً تشريحياً، بدءاً من تفاصيل المكان إلى ملامح وتفاصيل الشخصيات التي تؤثثها كالروائي نجيب محفوظ، فالمكان، هو البطل وحجر الزاوية في جميع رواياته.

الحارة الشعبية وخصوصيتها التي سكنها وسكنته حد العشق، كانت المنجم والثيمة لجميع روائعه الروائية، (الحرافيش، أولاد حارتنا، والثلاثية: بين القصرين، السكرية، قصر الشوق).

اعتمد محفوظ الخط الإنساني في كتابته الروائية، وبما أنه ابن حارة، فقد استطاع أن يوظف كل مخزونه الاجتماعي من علاقات إنسانية بجميع مستوياتها وظروفها وملامحها، وموسيقى وعادات وتقاليد وملبس وعمارة ومفردات ونسق اقتصادي وثقافي، أن يجسّد تاريخ الحارة من خلال تلك المكونات، ليظهر مشهد الحارة حياً بكل ملامحه.


المكان، بقي العامل المؤثر واللاعب الأول في أعمال محفوظ قاطبة، الذي أكسبها خصوصيتها وفرادتها..فقد برع في الغوص في قاع الحارات الشعبية، ودقته في رسم ملامح وسمات وخطوط الشخصيات وحقيقة انتمائها للمكان، وتركيبتها النفسية والبيئية والثقافية والعقائدية، حتى تكاد تشم رائحتها ورائحة أسمالها ورائحة الأزقة، والبيوت، وكأنها تتحرك أمامك!.


التفاصيل الدقيقة، قد تغيب، أو قد تضيع في المساحات الكبيرة، لكن محفوظ كان قادراً على جمعها والتقاطها والقبض عليها بسهولة، لأنها جزء من تراكيب المشهد اليومي للناس، ومن صلب تكوين المكان وذاكرته الخاصة، وحاضنته وملاذه وصومعته الكتابية، حتى أكسبها تلك الواقعية بكل أبعادها.

لذلك، كثيراً ما يجد الكُتَّاب ضالتهم الإبداعية، بالعودة إلى الماضي؛ إلى ما قبل التحديث والحياة المميكنة، والطرز الموحدة الموغلة بالتوحش وبالترف البارد، واستلهامهم جذوة الكتابة من ذلك المخزن الخصب بالتفاصيل والأحداث والمؤثرات المادية والمعنوية!.