الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ما وراء الأشياء

من ينظر إلى أسطح الأشياء من الصعب عليه أن يبصر الجمال الكامن في أعماقها.. فالواقف على شاطئ البحر مثلاً يبصر دون شك أجزاء كبيرة من جمال البحر، لكن البحَّار الذي يمخر عبابه يبصر أجزاء أخرى، والغواص الذي يجوب أعماقه يبصر أجزاءً أخرى.. وهكذا، كلما تعمقنا في ما وراء الأشياء ازداد استيعابنا لخوافيها.

هذه الفكرة البسيطة في ظاهرها، شديدة التأثير في حياتنا.. ومن شأنها في حال تطبيقها بشكلٍ صحيح أن تمنحنا رؤية مختلفة للوجود.. ولا يوجد أكثر فقراً من حياة يعيش صاحبها على حافة الأشياء، دون أن يمتلك الفضول إلى التعمق فيها وسبر أغوارها.

تأمل معي عزيزي القارئ سلوك السياح في المتاحف.. الكثير منهم يمر مرور الكرام على أكبر عدد ممكن من اللوحات والتماثيل.. يلتقط صورة هنا، وأخرى هناك.. ويخرج بعدها وهو يقول في نفسه: «يا لها من رحلة مملة.. لو استبدلتها بجولة على الأسواق والمطاعم لكان أفضل».


لكن في الجانب الآخر هناك سياح مختلفون في سلوكهم داخل المتاحف.. البعض منهم يدخل وفي نيته الوقوف عند لوحات محددة.. يقضي وقتاً طويلاً في تأملها، واستخلاص مكامن الجمال والعبقرية فيها.. ولا يهتم غالباً بالتقاط صورة لها، لأنه مهتم بتغذية ذاته بصرياً وفكرياً، أكثر من أي شيء آخر.


المتحف في المثال السابق يرمز للحياة بأكملها.. بكل ما فيها من مكونات وتفاصيل.. والسياح هم نحن.. البشر.. سكان الأرض كافة.. وسلوك السياح داخل المتاحف هو نفسه سلوكنا نحن في حياتنا اليومية.. البعض يظل طوال عمره يقف عند حواف الأشياء، والبعض يصر على منح حياته مذاقاً مختلفاً.. فيتعمق فيما وراءها.