الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

رحلتي «الباروكية»

تحت درجة حرارة لا تتجاوز التسع.. كنت أسير في تلك الطرقات الإيطالية الضيقة، منتشية برائحة المطر، وبذلك الرذاذ الذي يلامس وجهي ويغسل عني عناء رحلة السفر.. مشيت لساعات وساعات في تورينو وأنا أراقب الوجوه والمكان ذا الطابع الباروكي ـ وهو مذهب فني ساد إيطاليا وغربي أوروبا ـ بقصوره وكنائسه ومتاحفه وساحاته التي تتوسطها تماثيل عملاقة لشخصيات أثْرت وأثّرت في هذه المدينة التي كانت مهد حرية لكثير من الساسة والشخصيات التي ساهمت في توحيد إيطاليا، ما جعلها أول عاصمة لها بين عامَي1861 و1865.. هكذا هي المدن العريقة بإرثها وبعمرانها وحركاتها الاجتماعية، كلما مر عليها الزمن ازدادت تفرداً وقيمة.
وبين خطوات وأخرى تغريني رائحة المخبوزات والبيتزا الإيطالية، فأتنقل بين مطاعمها، حيث لم يتردد النادل في أن يسألني عن بلدي، فمن السهل تمييز الملامح العربية.. استفسر بشغف ـ على الرغم من حاجز اللغة ـ عن السياحة لدينا وعن عاداتنا، وبطبيعة الحال عما إذا كنّا فعلاً أصحاب ثراء فاحش ناتج من النفط كما يخيل لكثير من الغربيين، ولم يخل سؤاله من الدّين ومدى تقبلنا للآخر.. فكما قال: عندنا رأيتكِ امرأةً عربية ترددت في بدء حديث معك لاعتبارات عدة.
وبعد كوب من القهوة، التي عرفتني على كثير من مقاهي تورينو تابعت المسير، وشدني كم يتمتع أبناء هذه المدينة بذوق اجتماعي عالٍ، فعلى الرغم من ازدحام بعض الضواحي لا تسمع أصواتاً وضحكات عالية، ولا ترمقك نظرات مريبة، بل يقابلونك بابتسامة وإيماءة رأس مرحبة.. آه تذكرت.. لم أشاهد كثيراً من الأطفال! في رحلة السفر ومهما كان غرضها، إن لم تكن فضولياً تجاه مجاهل الزمان والمكان والإنسان، فتأكد أنك لم تحقق المتعة كاملة.. ابحث.. زر المتاحف.. قف مطولاً أمام الشواهد.. افتح حواراً مع الآخر ودعه يدرك حقيقة موطنك وهويتك وقيمك.. قم بدور رسول السلام.