الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

أمُّ أحمد.. لليقين قلوب

لن أحدثك عن أصحاب العطاء، بل دعني أحدثك عمن يلتحفون العراء ورجاؤهم معلق بجوائز السماء، نبض قلوبهم يقين، فلا تخطئهم المعجزات، بل تأتيهم قاصدة ديارَهم البشارات.

35 عاماً وأم أحمد، تلك السيدة المصرية على عتبة الستين، تعمل حارسة عقار في أحد أحياء القاهرة، حتى جاءها البشير ممثلاً في سفير برنامج «قلبي اطمأن»، الحامل للاسم المجازي (غيث)، ليمضي في معيتها حواراً يحار في استيعابه الكثيرون.

أم أحمد سجلت رقماً قياسياً لمن لا يسألون الناس إلحافاً، ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.. رفضت ما عرضه (غيث) من مال، أو مشروع يدرُّ عليها ما يكفيها لسنّ الثمانين أو التسعين.


تتحدث بحديث عفوي، وبوجه ملائكي، يرتسم في ملامحه مكنون القناعة والرضا، وراحة التسليم لتخبرنا: «زوجت عيالي الأربعة من شغلتي، وباقي الولد والبنت.. نفسي أجوزهم».. هذا هو مبلغُ طموحها ومنتهى أمانيها، فهي لا تسأل لذاتها برغم بساطة الحال ووهن العافية.


سيدة لا تشكو بثّها وحزنها إلا إلى الله، لسانها رطبٌ بحمد الله «من حمد الكريم زاده»، فمكمن السعادة في الرضا والقناعة، فكم من غني جافته جفونه، وكم من ذي سلطان طاردته ظنونه.

يقع (غيث) في ارتباك أمام درس جديد لم يعهده، ولسان حاله ماذا يصنع صانع الأمل في حضور صانعة حياة بلقب ملكة تمتلك عرشاً من عزة النفس والرهان على المكنون عند علام الغيوب.. فما قابل مروءة (غيث) إلا نبل أم أحمد.

يعيد (غيث) السؤال بحياء: ماذا تحتاجين إليه؟ عليكِ الأمر وعلينا الطاعة، ولكن هيهات لصانع الأمل أن يحرز هدفاً، فأمامه معدنٌ لم يرَه من قبل، معدنُ الرضا بالقليل والرهان على ما عند الله من كثير، معدنٌ ينام ليله ولا تشغله ملامح غده، معدنٌ كأسُ ماءٍ يغنيه، بينما غيره منعّمٌ في أنهار وبحار، لكنه يعيش في ظمأ حتى يغادر المجرة من دون ارتواء.

جافاني النوم تلك الليلة وأنا أستحضر أصحاب الخصومات والمنازعات في سجالات للافتئات على ما ليس لهم فيه حق، واللهث خلف المزيد مما لا يزيد، بينما أم أحمد شيّدت قصراً، لَبناته الرضا، وأعمدته التسليم، وبوابته وجهٌ باسمٌ، وممراته أسنان نصفها حاضر والآخر غائب، لتقول لنا برغم الكسور في القصور، فإنني قانعة بقصري البهي، فهو جنتي الأرضية.

حقًّا.. لليقين قلوب، وللقلوب يقين.