الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

الشيخ زايد بعيون تركية

كان افتتاح السفارة التركية في أبوظبي عام 1979 تدشيناً لبدء مرحلة جديدة من العلاقات التركية الإماراتية، فقد جاءت بعد سنوات قليلة من تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عام 1971.

فخلال سنوات قليلة تعرف الشعب التركي إلى شخصية الشيخ زايد بطريقة مباشرة ومبهرة ومدهشة، كما تعرف إلى دولة ناهضة وطموحة ومتألقة، تمثل ذلك في الزيارات العديدة التي قام بها الشيخ زايد إلى تركيا ولقائه الزعماء الأتراك، من أمثال رئيس الجمهورية كنعان إيفرين ورئيس الوزراء تورغت أوزال وغيرهما، وخلال هذه الزيارات التقى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الصحافة التركية وتعرف إليه عدد كبير من المثقفين الأتراك، وتمكن الشيخ زايد خلالها من أن يؤسس لنظرة واعدة وصادقة ومتفائلة للعلاقات التركية مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

كانت شخصية الشيخ زايد مؤثرة بفكرها وخطابها ومرتكزاتها، فتركت انطباعات إيجابية لدى المثقف التركي عن دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيسها ومؤسسها الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، فكتب المثقفون الأتراك عن انطباعاتهم هذه في كبرى الصحف التركية، وذكرنا تفاصيلها في كتاب «الشيخ زايد بعيون تركية»، الذي استلهمنا عنوان هذا المقال منه.

لاحظ المثقفون الأتراك أن الشيخ زايد صاحب رؤية تاريخية ومعاصرة معاً، فهو يتذكر الإرث الديني والحضاري والجغرافي العريق للشعبين التركي والإماراتي، وأنه يسعى لتأسيس رؤية مشتركة معاصرة تلتقي فيها رؤية الإماراتيين والأتراك لبناء المستقبل ومواجهة تحدياته المشتركة، ولعل ما آثر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إسماعه للأتراك في إحدى زياراته يؤكد ذلك، ومنه مقولته عام 1986: «إن تركيا أمة مسلمة لها أيادٍ بيضاء على عالمنا العربي يجب أن لا ننسى فضلها أبداً، لقد غُرر العرب برهة من الزمن من قبل الغرب فانساقوا وراء شعارات جوفاء فخدعت نفسها وغرست بذور النفاق في علاقاتها مع تركيا فغشيتها ليلة دهماء»، وبهذه الرؤية يكشف الشيخ زايد عن أحد أسباب الاختلاف بين تركيا والعرب، بهدف السعي لتجاوز ذلك من الطرفين.

وكان مما كشفه الشيخ زايد في حوار مع الصحافي التركي صالح أوزجان، وهو نائب سابق عن ولاية أورفا وصاحب مجلة الهلال التركية: إنَّ جون فيلبي الجاسوس الإنجليزي الشهير طلب إلى جده التمرد على الدولة العثمانية لكنه قوبل بالرفض القاطع، كما أشار إلى أن جده عين رئيساً للأمن العام في المنطقة بفرمانٍ عثماني، فتاريخ هذه العائلة هو الانتماء إلى ثوابت الأمة الفكرية والتاريخية والحضارية.

لقد تلمس الشيخ زايد التطورات الإيجابية التي طرأت على مناحي الحياة المختلفة في تركيا لما لاحظها في زياراته الرسمية أو الخاصة إليها، وعبّر عن آماله وتمنياته فقال: «لكَم أتمنى أن يتعرف العالم العربي إلى تركية والشعب التركي عن قرب، وأن يدركوا فداحة الأخطاء التي وقعوا في حبالها يوم انساقوا وراء ترهات الغرب»، ولم يتوانَ في توجيه النصح إلى الجانب التركي قائلاً: «أريد أن أفصح عن تمنياتي القلبية بأن لا تنخدع تركيا بالغرب فتضعف علاقاتها مع العالم العربي كما فعلها العرب..»، فكان، رحمه الله، يرى في تمتين هذه العلاقات التركية العربية والإسلامية ما من شأنه أن يردع قوى الظلم المتكالبة على الدول الإسلامية في ظل التكتلات العالمية الطامعة.