الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

القراءة الخطرة

عندما يرجع بي الزمن إلى الوراء، أتذكر جلوسي أمام شاشة التلفزيون ومشاهدة البرامج الثقافية ذات المسحة الدينية، والتي كان يُبهرني فيها سلاسة حديث مقدميها، وغزارة ثقافتهم المبنية قطعاً على كمٍّ لا حدَّ له من القراءة.

نظرتي لمثل هؤلاء المثقفين أو المفكرين سرعان ما تعرضت لأشبه ما يكون بالزلزال بعد أحداث ما يُسمى بالربيع العربي، والسبب في ذلك أنني شاهدت نُسخة مختلفة تماماً عن تلك التي كنت أستمتع بمشاهدتها والاستماع إلى حديثها المبني على ثقافة وعلم كبيرين.

فذلك الإنسان المثقف الوديع تحوّل بين عشية وضحاها إلى إنسان مسعور يتلفظ بأقبح العبارات، شاتماً هذا ولامزاً ذاك، بل ولا يتورع عن الدعوة إلى إراقة الدماء وإزهاق الأرواح!


في البداية لم أجد أي تفسير لمثل هذا الأمر الذي بإمكانه أن يجعل إنساناً ينتقل بين طرفي النقيض في لمح البصر، لكن بعد بحث ودراسة وجدت تفسيراً لهذه الظاهرة قد يكون أقرب إلى الصواب.


السبب في هذا الخلل الفكري أُرجعه إلى أن أمثال هؤلاء، الذين لا يُنكر أحد ثقافتهم الغزيرة - ليست الدينية منها فحسب بل الأدبية والفلسفية أيضاً - يعيبها أن جُلها من كتب تعزز قناعاتهم والآراء التي تدعم أيديولوجيتهم وآراءهم الفكرية، وهذا يعني أنّ بذور التطرف الفكري تبقى كامنة في العمق مهما حاولوا تجميلها وتزويقها من الخارج بقراءات أدبية وفلسفية فيها، بما قد يُخالف قناعاتهم بشكلٍ يسير.

من الجميل أن يقرأ الإنسان الكتب التي تتوافق مع قناعاته وأفكاره، لكن يبقى الأهم والأجمل هو: أن يقرأ تلك النوعية من الكتب التي تُعارض قناعاته وأفكاره وتضعها تحت المحك.