الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

الواقع العربي.. قُوَّتُه في غَيْبِهِ

من ينفي الوقائع العربية أويثبتها؟.. من يعيد للعربي غريب الوجه واللسان، هويتَه، وإنسانيته، وقليلاً من مجده، وبقية من تقواه؟.. من يصرخ في وجوه الواقفين هنا وهناك منتظرين لحظة تعاطف دولي؟.

أكون واهماً إن اعتقدت يوماً أنني أنتظر إجابة تأتي من رحم الغيب محملة بـ «ميتافيزيقا» الوعود، وفلسفات الأمل، أوتدفعني رغبة الحياة في التعويل على تغير منتظَر أزف زمانه، إذ لا جدوى من ذلك الوعي المزيف الذي يغرق فيه كثير من السَّاسة العرب ـ موالاة ومعارضة ـ على اعتبار أنهم «آتون بما لم يستطعه الأوائل»، وجحافل الظلم والظلمة والطغيان تطاردهم، حتى حين عوّلوا على تصنيف يَقِيهم من انهيار مباغت، ونهايات مؤلمة وموجعة.

لا فائدة اليوم من طرح الأسئلة في زمن الإجابات الواضحة، حيث البقاء في فضاء الحضارة والمدنية هو لنا مثل الحلم المؤجل في تفسيره، وفي تحقيقه، وحتى في الخلاص منه، ومع ما هنالك من أنوار طاردة لظلمة الأمكنة المغلقة والمفتوحة، وعاجزة عن تنوير الأفئدة حتى لو كانت العلاقات بيننا مثل الحب في وصف الدكتور ناجي إبراهيم في قصيدته «الأطلال» صرحاً من خلال فهوى، أوكانت أفعالُنا جميعُها، ميراثاً من أولئك الذين عُجنت تربة الأوطان بدائمهم «وخلدتهم في الدنيا الأسانيد»، كما قال شاعر الثورة الجزائرية «مفدي زكريا».


آه، يا أيها الواقع العربي ما أصعبك اليوم.. ها نحن نلمُّ شتات ذاكرة لِنَفي لك بالتزامات جماعية، مع أن كل نفس منا هي بما كسبت رهينة، وفي سعينا المتواصل، يبلغنا الوهم ذروته، فنُحمِّل أوزار حروبنا لأجيال لا تزال في علم الغيب، مدركين أنه ليس من الحكمة الهروب، ولا الاحتماء بمفردات اللغة، التي طوعناها حتى أصبح شياطين الإنس منا يرون في رحيلها صالحاً لنا، ما دامت اللهجات ستكون بديلاً.


آه، يا أيها الغيب العربي، نضع كل أمالنا فيك، لأنك تحيي فينا الرغبة لتحقيق آمال مؤجلة، أومنتهية، أوواهية.. ستأتي لا محالة، شارحاً لحركة الفعل في عمر أمة، غدت على مستوى المصطلح حكراً لمن يستنجدون بالتاريخ، ثم يولُّون الأدبار عندما يلمحون من بعيد حركة الآخرين، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.

يا حياة العرب واقعاً اليوم، وغيباً غداً، متى تجسدين المعنى الوجودي لنا على مستوى القيمة والتفاعل، فنعيش في مناخ الروح، حيث البدايات هنا والنهايات هناك، وما بينهما لعب وغرور، أوعمل جاد وصالح؟.