السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الروايات الطويلة.. والمتعة الضائعة

ليست الأولى .. قد تكون الرواية الخامسة، وفي وقت قصير أشارف على بلوغ الصفحة المئة والخمسين، ثم أعدل عن إكمال قراءتها بسبب (الملل).

بعض تلك الروايات يتجاوز الثلاثمائة صفحة إلى الستمائة أحياناً، ولأسباب أكاديمية تجد نفسك مضطراً لإكمال قراءة الصفحات الكثيرة رغم الملل، أما إن كنت قارئاً محباً للأدب فقط فستبحث دائماً عن الروايات المشهورة والممتعة، ولكنني قررت أخيراً، أن أتوقف تماماً عند الصفحة مئة إن لم أجد متعة في الرواية.

قبل مدة كتب الناقد المغربي سعيد يقطين عن «بدانة الرواية» وبعدها شاع مصطلح الروايات البدينة، وأغلب الروايات «البدينة» التي لم أنجح في اجتياز نهايتها تتميز بتلاشي الحدث، بتهشمه وتهميشه وتناثره في وقائع متفرقة لا تصنع مركزية ما للرواية، عدا والمط الطويل في الحوارات أو المنولوجات الداخلية والتأملات.. إنك تمضي القراءة في (اللاشيء).


تبحث في دلالة الأحداث الهامشية والحوارات العابرة فلا تستطيع أن تفهم أكثر من كونها تملأ فراغاً لا دلالة له.. هذه الروايات تسبح بك في محيط عميق من الخيالات والذكريات، وسرد الاسترجاع، واللقاءات الجانبية بين الشخصيات الكثيرة التي يختفي أغلبها، فجأة، كما ظهر فجأة.


في النقد الحديث واستناداً إلى بنية الروايات الحديثة، فإن المركزية انتقلت من شخصية البطل إلى الأشياء حوله والمكان والزمان، بسبب نزوع الأدباء إلى فلسفة موت الإنسان التي عبرت عن عجزه أمام هذا الكون، وهذه الإبستيمولوجيا الانهزامية والعدمية التي يكتب بها بعض الأدباء رواياتهم، من الطبيعي، ألا تنتج شيئاً ذا إضافة، وخصوصاً إذا كان الروائي يفتقد مهارة بلورة الفكرة وسبكها في قوالب حدثيَّة تبلغ المتلقي وتقنعه بمواصلة القراءة.

روائيونا العرب لم يعودوا مقتنعين بتلك الروايات التي لا تبلغ المئتَي صفحة، والتي تميز بها إحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وبعض روايات نجيب محفوظ، والأدب اللاتيني.. تلك الروايات التي لا تفارقك فيها المتعة والدهشة والحماس والتي تتمنى لو أنها لا تنتهي من بين يديك، ذلك أنها (تنتخب) من الأحداث والشخصيات والمنولوج ما ينهض بالرواية ويشد مكوناتها نحو الرؤية، وهي تقتصد في الأفكار والوجدان والوصف وتختزل ما يمكنها أن تسهب فيه مستعينة باللغة الشعرية أو الأدوات السيميائيَّة، التي تبرز فيها براعة الرّواي، أما إذا كانت (أول 150 صفحة) من الرواية لا تقدم جديداً للقارئ ولا تقول له سوى (ليس ثمة شيء مهم)، فعلام يتحمل القارئ عبء إتمام قراءة رواية (لا تقول شيئاً)؟!!.