الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

شاطر ومشطور.. وبينهما «عرعور»

دخل رئيس مجمع اللغة العربية القاعة الملكية بقصر عابدين، مدعواً لحضور حفل استقبال، دعا إليه جلالة الملك فاروق، وبينما يتحرك الرجل في القاعة فوجئ بصوت يناديه ضاحكاً: «أهلاً.. يا عرعور»؛ وازدادت المفاجأة حين التفت رئيس المجمع إلى مصدر الصوت، ليكتشف أنه جلالة الملك شخصياً.. كانت مفاجأة أن تتردد هذه الكلمة في جنبات القصر الملكي، وعلى لسان الملك شخصياً.

والحكاية أن بعض الصحف المصرية كانت تشن غارات ضاحكة على مجمع اللغة العربية، وتصور أعضاءه كأنهم جماعة خارج هذا العالم، يبحثون في أمور عفا عليها الزمن ويقترحون كلمات مضحكة، مثل تعريف «الساندويتش» بأنه «شاطر ومشطور وبينهما طازج»، ومثل مطالبتهم الحكومة المصرية بإلغاء كلمة وزير واستبدالها بكلمة «عرعور».

وقد قام أعضاء المجمع بالرد على تلك الادعاءات، والتأكيد أنهم لم يفكروا نهائياً في حكاية الشاطر والمشطور، ولم يقولوا بها، وأنهم لم يطالبوا بإلغاء كلمة «وزير»، لأنها وردت في القرآن الكريم؛ بالمعنى نفسه تقريباً الذي تستعمل به الآن، ولكن لم يأخذ الساخرون بالتكذيب والنفي، وتجاهلوه تماماً؛ وتبين للمجمعيين أن وراء هذه الحملات صحفي كبير أراد أن ينضم إلى المجمع وينال عضويته لكنهم لم يمنحوها له؛ على الرغم من كثرة عدد الصحفيين في عضوية المجمع آنذاك.


أما أن يكون الملك فاروق متابعاً لتلك الحملات ويضحك منها، فذلك ما أزعج رئيس المجمع، الذي كان ولا يزال بدرجة «وزير»؛ واستقر العرف على أنه لا يعزل من موقعه.. عضو المجمع د. طه حسين اكتفى بالقول: إن أعضاء المجمع صاروا مادة للتندر وللضحك، وأن ذلك لا يغري أحداً بالانضمام للمجمع.


كان ذلك بزمن شغل فيه المجمع الصحافة وكبار المسؤولين، وكان الكل يتابعه ما بين مساند وداعم أو ناقد وضاحك، لكننا الآن لم نعد نقرأ ولا نسمع شيئاً عن مجمع اللغة العربية، لا سلباً ولا إيجاباً؛ يعقد مؤتمره السنوي كل عام وتعقد جلساته كل أسبوع وتصدر مطبوعاته بانتظام، ولا تجد خبراً واحداً عنه في أي مطبوعة من المطبوعات الكبرى، حتى تلك التي نطلق عليها مطبوعات «بير السلم».

كانت الأعمال الدرامية منتبهة إليه؛ وجدنا عبدالفتاح القصري في أحد أفلامه يصرخ: «أنا في عرض المجمع اللغوي..».

التجاهل تام للمجمع، على الرغم من أننا في أشد الاحتياج لهذا المجمع ونشاطه الآن أكثر من أي وقت مضى، فاللغة العربية باتت مهددة؛ وتقتحم المصطلحات والكلمات الأجنبية المشوهة علينا حياتنا بانتظام.