السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

خواطر في العشر الأواخر

على باب الرجاء.. غشيت الصائمين النفحات، في ليالٍ تنتصب فيها الأقدام بالطاعة، وترتفع فيها الأيدي بالدعاء والضراعة.. شهيقٌ ينطلق من أعماقٍ اكتنزت من الأسرار ما اكتنزت، وزفير يرتحل بها ليحوم حول سدرة المنتهى، أجفانٌ مُطبقة، لتَسبح البصيرة في الملكوت.. أنفاسٌ مُذبذبة ما بين خوفٍ ورجاء.. أمانٍ تتراءى ثقة بأن ما عنده لا ينضب، وأحلامٌ تتوارى خجلًا من يأسٍ قد أصابها.. يقين بصاحب الرجاء لا تحدّه آفاق.

على باب الرجاء.. هبّت نسائمه في خيرِ مواسمه، وآن للقلب أن يقبل على مُقلِّبه دون غيره، ليتكلم بعفوية الحال، ويدع تنميق المقال، فلا الحبّ منكتم، ولا الدمع محتجبٌ، ولا البوح منصرمٌ.

على باب الرجاء.. أثبت الوجد ما به من كمد، ولهجت الألسن بالدعوات، واعتكفت الجوارح في محرابه، تستدرّ عفوه ورحماته.


على باب الرجاء.. تحتشد الملائكة على أكتاف العابدين، وتغتسل الأرض بعبرات الساجدين، وتحتفي السماء بأزيز الذاكرين، وتهتزّ أبواب الجنّة بنحيب التائبين، وتضرع المقصرين، ويسكن الكون بترتيل آي الذكر الحكيم.


على باب الرجاء.. تُصفّد الشياطين، فنُبحر في غياهب الذات، ونجول في عتماتها، لنجلوها بالاستغفار، ونغسلها بماء اليقين وبَرَد التوبة وثلج الأوبة، ولا نبرح حتى تغشانا السكينة، ونبلغ مدارج الطمأنينة.

على باب الرجاء.. نصلّي صلاة مودّع، ونتشبّث جهدنا بما تبقى من العشر الأواخر، لتعبق الروح بنفحاتها من بعدِ عطشٍ، فلا ندري هل سندركها في قادم الأيام ونكون من الحاضرين أم في عداد الغائبين؟.

على باب الرجاء.. تدنو عطايا المنّان، وتكون لنا سلوى نصطبر بها على ما نحن فيه من دنيا الهوان، فكل راجٍ خائف من فوات ما يرجوه.

على باب الرجاء.. هل لنا من رجاء سوى عفوٍ في ليالي العتق والقبول، فطوبى لمن ذلَّ نفسه، وحسُنت سريرته، وكرُمت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، طوبى لمن صفح وعفا وبالرَّكب لحق.

على باب الرجاء.. نتحرّى ليلة لا يفوتك أجرها، ولا يُخطئك طيفُها، فيها وجد الكون طريقه إلى النور من بعد طول عتمة بما نزل فيها من آيات حَملت البُشريات.

على باب الرجاء.. نطمح لميلاد جديد، وتعويض ما فات في أيام معدودات، فنسكب الدمع في الخلوات لعلنا نظفر بعفو رب البريات.

رب اجعلنا ممن صام الشهر، واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر.