الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

«خارج السيطرة».. معركة البشر الدائمة

«خارج السيطرة».. معركة البشر الدائمة
نحن دائماً، أفراداً وجماعات، نمثل طموح الآخرين من أجل السيطرة علينا، وفي أعلى الدرجات التي نتخيل فيها أننا مستقلون وأحرار نكتشف ذات صدفة مريرة أننا نعيش وهماً وأن كل شيء من حولنا مبرمج، ولم يكن مطلوباً منا إلا المضي في البرمجة المرسومة لنا سلفاً.

جهات عديدة تعمل على السيطرة علينا: الأسرة، السلطة السياسية، الجماعة الدينية، القوانين الاجتماعية، وهي تتحد في الأهداف وإن اختلفت في الإجراءات، وهدفها الرئيس أن نصل لدرجة قياسية في التماثل في السمات المطلوب منا التمثل بها، فالجماعات المتشابهة المتجانسة هي أسهل الجماعات من حيث إمكانية السيطرة عليها والتحكم فيها وتوجيهها.

تاريخياً، كانت أدوات السيطرة بسيطة، وتعتمد على انغلاق المجتمعات وصعوبة الوصول إلى المعلومات المغايرة.. فالأساطير والخرافات كانت أولى وسائل السيطرة والهيمنة على الجماعات والأفراد.


الخوف من المجهول وترصد الموت والمرض والعذاب للمخالفين كان التهديد العظيم الذي يصيب كل من يخرج عن الجماعة.


ثم تكونت المصالح المشتركة المبنية على التقسيم الطبقي ثم الإقطاعي، حيث كان الأقوى في تلك الجماعات هو الذي يسيطر على الطبقات الأدنى والأضعف، وتميزت تلك المرحلة من التاريخ باستشراء العبودية.. كانت قوة طبقة من البشر وأموالهم هي المسيطرة وليس الخوف من المجهول.

في عصرنا الجاري وبسبب الانفتاح غير المسبوق في المعلوماتية تفككت أدوات السيطرة التقليدية على البشر.. ففي عصر (ما بعد الحداثة) لم يعد مقبولاً أن نبحث عن تماثل بين البشر وعلى سمات عامة تصبغ الجماعة، حتى أكثر المجتمعات محافظة بدأت التعددية والاختلاف والتفرد تغزوها.

وبدأت نزعات الاستقلال تجتاح الجماعات الكبرى لتفتتها إلى جماعات فرعية أصغر، وقد فرجئت غير مرة حين رأيت كثيراً من الأبناء الذين عرفتهم صغاراً وقد شبوا على هيئة مخالفة كل الخلاف لآبائهم، بعض هؤلاء الآباء كانوا (مربين/‏ دعاة/‏ مؤثرين) يروجون لقيم معينة ويبشرون بها، وتمكنوا فعلاً من التأثير في كثيرين، لكنهم لم يستطيعوا إرغام أبنائهم على الاقتداء بها.. لقد صار أبناؤهم خارج سيطرتهم!.

الذي حدث هو أن الزمن تغير، وأن لا أحد يحتكر الأفكار أو يتحدث باسم الحقيقة، ولكن هذا لا يعني أننا نمتلك حقاً حرية اعتناق ما نعتقد، فقد أصبحت صناعة الأفكار الاستهلاكية صورة من صور السيطرة على البشر، كما أصبحت المعرفة في حد ذاتها (سلطة)، وأصبح امتلاك وسائل المعرفة شكلاً من أشكال السيطرة على أفكار البشر وتوجهاتهم، وستبقى واحدة من معاركنا نحن البشر أن نكون خارج السيطرة.