الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

بشر«واتساب».. أيّ صمت رهيب؟!

كأنها تعيش تعبات زلزال «مَسّين ـ مسينا باللغة الإيطالية ـ حين عُجلت في صباها» كما قال الشاعر حافظ إبراهيم.. فمن أين لها العودة بعشرات الآلاف من الضحايا؟.. وهي اليوم تفكك شبكة العلاقات الاجتماعية بعد أن طغى عليها طوفان الصور فأغرقها في استمتاع وهمي وعابر.. تلك هي حال البشرية اليوم.

لأستدل على ما ذكرته أعلاه، بعيداً عن استقطاب نحو أولئك الرافضين للتطور في مجال الاتصال، أورد جانبا مما عشته ــ وبالتأكيد كان حال كثيرين غيري ـ فقد وصلتني يوم العيد مئات من رسائل التهنئة عبر الواتساب، منها ما هو مكرر، ومنها ما هو معروف، وثالث محاولة لابتكار عبارات رقيقة غير أنها كانت خالية من الأنوار، وإن كانت حاملة لمباهج الزينة وكأن الناس قد حشروا ضحى، لكن جميعها يعلن حلول زمن الصمت الرهيب.. حيث الرحلة إلى أبدية، قد لا تكَون من بعدها عودة، وربما لا حياة ولا نشور.

ما يحدث في علاقتنا الاجتماعية أكبر من الوصف.. حيث التعارف وتبادل الزيارات ومشاركة في الأفراح والأتراح.. تختصر جميعها في رسالة مجانية على الواتساب قد تُقرأ أو لا تقرأ.. هي وإن حملت كلماتها علامات دالة وعبّرت بلغة عصرها وحملت فوائد جمَّة، مثل: السرعة، وضمان الوصول، والقدرة على تسجيل الأفكار لحظة ميلادها، إلا انها بالمقابل خالية من المشاعر.


أين الأصوات من بدو وحاضرة؟، بل أين الأمم من عرب وعجم؟.. صحيح أن الكتابة تنتمي لعالم الرمز على أن تكون ناطقة في صمتها، لكن ما يحدث اليوم في ظل خشية من املاق، واقتصاد في الانفاق، وترويح للواقع الافتراضي، هو بداية الزوال حيث لا حُبَّ اليوم لمن سكن الديار أو المدن أو الدول.. فتبادل المشاعر غائب نتيجة الفراغ الروحي في دنيا لم يعد فيها شريك في العمر، ولا فريق يقرأ كتاب الحياة ويلتقي أو يختلف حول الأفكار.


نحن اليوم أسرى الواقع، وَتحت رحمة الوصف، لكن حدوث تغيير في الثاني لن يتم إلا بإدراك الأول، وهذه مهمة شاقة خاصة على المستوى السياسي.. فالرسائل المتبادلة بإسقاط الانظمة هي وحدها الناطقة، وقد يكون مبعثها الأمل في التغيير، أو حضور للآخر في ثوبه الاستعماري الجديد، تماما مثلما كنا ضحايا ما صنعته أيدينا، ومآ عجزنا عن تدبره.. فما جدوى النطق في غير محله؟!.