السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

العرب.. و«النفس اللوامة»

العرب من أكثر الشعوب التي تلوم نفسها، وهذا ما تسبب في تراجع وتأخر الأمة عن سواها من أمم المعمورة، واللوّام ـ في التعريف ـ «هو كثير العذل والعتاب، وهي صيغة مبالغة من الفعل لام، واللوامة هي الحاجة، وهي النفس التي لا تثبت على حال، وقد أُخذت من التردد والتلوم، وكثرة التقلب، فالنفس متقلبة متغيرة من حال إلى حال، فتارة تفرح، وتارة تغضب، وأخرى تحب ورابعة تجفوا».

ترتبط بهذه الحالة المرضية، التشبث بالماضي وبالتاريخ وبالأمجاد التي صنعها الأجداد وضيّعها الأحفاد، فبقت هذه الأمة تبكي «على رمس درس» من دون أن تستعيد هذه الأمجاد أو تتقدم لتعويض ما فاتها، وتتفاعل مع بقية الشعوب لتحقيق إنجازات إنسانية عظيمة.

شعوب وأمم كثيرة مرت بأزمات وحروب وغزوات دمرت حضاراتها، وكادت تقضي على وجودها، لكنها نهضت من رماد خرابها مثل طائر العنقاء، واستعادت قوتها لتبني نفسها وتساير حراك الحاضر، وتمضي نحو المستقبل من دون أن تلوم نفسها أو تبكي على تاريخها لتؤسس لوجودها حضوراً إنسانياً بارزاً، وفي تاريخنا الحديث نتذكر اليابان وألمانيا وإيطاليا وحتى روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً).


تلك الدول التي خرجت من رماد الحرب العالمية الثانية محطمة، لكن قادتها وشعوبها أصرّوا على عدم النظر إلى الماضي إلا لأخذ ما يفيد بناء نهضتهم، وتسلحوا بإيمانهم بشعوبهم وبلدانهم ليتصدروا اليوم واجهة الإنجازات التكنولوجية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، حتى إنهم غيّروا بعض أنماط ثقافاتهم وأساليب حياتهم، واعتمدوا التعايش مع بقية الدول بما فيها التي دمرتهم، ليبقوا أحياء ويشار إليهم بالبنان.


الدولة العربية الوحيدة التي أنقذت نفسها منذ البداية من هذا المنزلق، وأعني لوم النفس والبكاء على الماضي، هي الإمارات العربية المتحدة.

حدث ذلك بفضل حكمة مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي استلهم قيم الخير والتسامح والصبر من الدين الإسلامي الحنيف والاعتماد على شعبه والإيمان بقدرات أهله، والانفتاح على الآخرين لبناء دولة حديثة تمضي إلى المستقبل بخطى واثقة تأتي اليوم في المراتب الأولى عالمياً، في غالبية المجالات التكنولوجية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية.

لقد أسس الشيخ زايد قيماً أخلاقية راسخة تلمسها اليوم في تعامل المسؤول الإماراتي والمواطن، في التعامل اليومي، قيّم في معنى التسامح والإخلاص في العمل وتقبل الفكر الآخر.