الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

السودان.. والأمل بتخطي الصعاب

المحنة التي يعيشها السودان منذ سقوط حكم عمر البشير، تعود بذاكرتي إلى فترة هبوطي لأول مرة في مطار هذا البلد قبل 40 عاماً لاستلام وظيفتي في جامعة الخرطوم، وفي تلك الليلة الظلماء من شهر نوفمبر، كنت في طريقي من المطار فوجدت طلاباً يقطعون الطرق بالإطارات المشتعلة للاحتجاج ضد نقص السكر والبترول.

والذي حدث بعد ذلك هو مجاعة حادة بين عامَي 1984 و1985 ضربت البلد من حدوده مع تشاد حتى البحر الأحمر، ولم يكن سببها الأساسي الجفاف أو التصحّر، بل الإهمال وسوء الإدارة، وانتهت هذه الأحداث بسقوط الدكتاتور جعفر النميري في ثاني انتفاضة شعبية بعد تلك التي أطاحت بالفريق إبراهيم عبود في شهر أكتوبر 1964.

ولهذا يمكن القول إن الشعب السوداني يحتكم إلى خبرة طويلة في الحياة السياسية، إلا أنه وقع في خيبة أمل جديدة بعد فترة وجيزة من استعادة الديمقراطية، وكانت وصفة الفشل جاهزة ومكوناتها معروفة، فهي خلطة من الألاعيب السياسية والتنافس على النفوذ وعدم استعداد النخب الحاكمة لتحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين.


وأدَّى هذا الوضع المعقد لاندلاع حرب لا نهاية لها في الجنوب، وبروز حركات الإسلام السياسي المستوردة التي كانت تُستخدم كمجرّد أدوات للقمع والسيطرة على الموقف وقمع أي معارضة محتملة، وأيضاً لجمع الثروات الطائلة، وكانت فترة حكم النظام التي امتدت بعد ذلك 30 عاماً كافية لاستنزاف الشعب وتدمير البلد.


والسودان الذي اعتاد على استضافة ملايين اللاجئين من أوغندا جنوباً وإريتريا وإثيوبيا شرقاً وتشاد غرباً، أصبح الآن أكبر مصدّر للنازحين والمهاجرين في العالم، وانطلاقاً من أنني خدمت في بعثات وقف إطلاق النار في جبال النوبا وفي العمليات الإنسانية في دارفور، وأيضاً كرئيس مجموعة خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في دارفور، فإنني ما زلت أستغرب السبب الذي يدفع الحكام لمواصلة القتل الجماعي والتهديم بهذه الطريقة البشعة ضد المدنيين الآمنين، وما الفائدة التي تحققت من وراء ذلك؟

من المؤكد أن السودان بلد غني بموارده الزراعية والمعدنية، إلا أن من المهم استغلالها بحكمة بحيث يتم توظيفها لمصلحة الشعب السوداني وليس ضد مصلحته، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى استقرار المنطقة كلها وحرمان الجماعات الإرهابية من الاستيلاء على الأراضي الخصبة، وتخليص أوروبا من الموجات المتدفقة من اللاجئين الشبّان، وهو التطور الذي استغلته الجماعات الشعبوية والعنصرية، التي أصبحت تشكل خطراً على السلام العالمي كله.