الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التميز الإنساني بين المتنبِّي وشكسبير

اطَّلعتُ مؤخّراً على كتاب شدَّ عنوانُه انتباهي كثيراً «بين المتنبِّي وشكسبير» للدكتور حاكم عبدالرحمن، لقد انتهيتُ من قراءته في أقرب وقت، وخرجتُ منه بمعلومات طريفة عن الشّاعرين العبقريّين اللذين يمثلان قمّة النُّبوغ الشعريّ في الأدبين العربي والإنجليزي، بل الأصحّ أنْ نقول إنّهما أعظم شاعرين وأديبين على الإطلاق في اللّغتين العربيّة والإنجليزيّة على التّوالي، غير أنّ أوجه الشّبه الكثيرة التي حاول المؤلّف إقامتها بين الشّاعرين تبدو متكلّفة بعض الشّيء.

لقد تناول المؤلّف سيرة كلا الشّاعرين، ثم أورد إحساس كلّيهما وشعورهما ببقاء وخلود شعرهما ومصدر ذلك الشّعور ثم عرض لقدرة كل منهما في فهم النّفس البشريّة ونواحي الحبّ والغيرة والكراهيّة والحسد والجنون فيها.. إلخ، وقدرة كل منهما على التّعبير وسعة الخيال، وتوقّف عند المسحة الرّومانسيّة الحزينة التي تكتنف شعر كل منهما، ثم تحدّث عن شعر الغزل والنّسيب وشعر الحبّ عندهما والسّرقات الأدبيّة، التي أُلصقت بكلا الشّاعرين، ثم عرض الموقف السّياسيّ لكل منهما والمؤثرات السّيكو ـ سوسيولوجيّة على كل من المتنبّي وشكسبير.

فعلاوة على المسافة الزّمنيّة والمكانيّة الهائلة التي تفصل بينهما (نحو 650 سنة) ثمّة بُعد اجتماعي وثقافي وديني شاسع بينهما؛ فالمتنبِّي عاش في مجتمع عربي إسلامي، بينما عاش شكسبير في مجتمع غربي مسيحي، «وعلى الرّغم من هذا الفرق تظل عبقرية الاثنين وشاعريَّتهما متشابهة، ولها خصائص ومميّزات متقاربة، ويقيني أنّ التّفرُّد والتميّز الإنساني يظلُّ دائماً له قالب واحد وبوتقة واحدة مهما اختلفت العصور، ومهما تباعدت البلاد، وتباينت العادات والتّقاليد، والظّروف الاجتماعيّة والمفاهيم والموروثات الثّقافيّة والدّينيّة، وبالتالي يتشابه إنتاجهم الفنِّي» على حدِّ تعبير المؤلف.


وما من شكّ في أن المتنبِّي سيبقى إماماً للشُّعراء العرب، وليس ثمّة شاعر عربي آخر يدانيه في جزالة اللفّظ، وعمق المعاني الشِّعرية وخصوبة المخيّلة ورقة الكلمات وصدق التّعبير عن النَّفس البشريَّة والتجارب والحكم الإنسانيَّة والاعتداد بالنَّفس والطُّموح؛ فهناك عدد كبير من أبياته التي جرت على الألسنة مجرى الأمثال، وهو يمثل الرُّوح العربيَّة التوَّاقة إلى العلى والشموخ في عصر كانت الحضارة العربيَّة والإسلاميَّة في أوج مجدها.


ولكن، ولسوء الحظ، فإن الحضارة التي ينتمي إليها المتنبي خفت نجمها منذ نحو ثمانية قرون، فلم يحظ بالتّقدير والاعتراف العالميين مثل خلفه شكسبير الشّاعر والمسرحي العبقري، الذي اختير أعظم شخصيّة في الغرب في الألفية الثّانية بلا منازع؛ لأنه يمثّل الُّلغة التي صعد نجم حضارتها ليسطع على العالم كله منذ قرون ماضية.