الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

عمر بن سعيد.. ومخطوطة الحق

عمر بن سعيد.. ومخطوطة الحق
يقال إنهم كانوا أميين، ولم يكونوا كذلك؟.. ألم يحن الوقت بعد للاعتذار عن العبودية التي مست ملايين البشر في أفريقيا؟ بعد أن تم نقلهم من أرضهم، إلى أرض أخرى، ليكونوا عبيداً، يؤدون أصعب الأعمال الفلاحية.

عمر بن سعيد الذي استعبد لم يقل كلمة عمر بن الخطاب، عندما جعل ابن القبطي ينتقم لنفسه من ابن عمرو بن العاص الذي ظلمهُ بحكم سلطة والده، لكنه عاشها: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟

فقد نقل عمر بن سعيد مستعبداً في سنة 1807 من السنغال، من قريته فوت تور إلى تشارلستون، في الولايات المتحدة، في الـ 37 من عمره، وبقي هناك، في معاناة استمرت ربع قرن.


وعلى عكس ما يروى عن الأفارقة المستعبَدين، فقد كان كثير منهم علماء حقيقيين، استطاع عمر بن سعيد أن يكتب يوميات العبودية باللغة العربية، لأنها كانت اللغة المتاحة للتدوين التي تعلمها عن طريق الذين الإسلامي الحنيف.


اشترت مكتبة الكونغريس المخطوطة قبل سنتين وتمت رقمنتها لتوضع في متناول جمهور القراء، كاشفة عن فصل مؤلم من حياة عبيد أمريكا.. يقول عمر بن سعيد في مخطوطه واصفاً حاله: «جاء إلى مكاننا جيش كبير، قتل العديد من الرجال وأخذني وجلبني إلى البحر العظيم... لقد باعوني لأيدي المسيحيين الذين ربطوني وأرسلوني على متن سفينة كبيرة، وأبحرنا في البحر العظيم مدة شهر ونصف، حتى وصلنا إلى مكان يدعى تشارلستون».

ترجم الباحث علاء الريس من جامعة نيويورك المخطوطة، وكتب يقول: «إن عدم أمية عمر بن سعيد، وثقافته يتعارضان تماماً، ويلغيان السردية المتداولة، التي تفيد بأن العبيد لم يكونوا مثقفين.

كان عمر بن سعيد شاباً في مقتبل الحياة، ولم يكن أمياً ولا فقيراً.. في تشارلستون بيع لرجل شرير، وبعد سنوات الإذلال استطاع أن يهرب من جبروت سيده وسلطانه القاسي، لكن سرعان ما قبض عليه وأعيد إلى سيده، وهناك وضع في السجن، فبدأ في كتابة قصته على جدران الزنزانة باللغة العربية، لدرجة أن أثار انتباه الكثير من شخصيات العصر، ومنهم شقيق حاكم ولاية كارولينا الشمالية الذي اشتراه وحرره.

عندما استقر به المقام، وبلغ الستين من عمره، كتب سيرته باللغة العربية، هي قصة ليست بعيدة عما عاناه عبيد أمريكا التي وصفها بدقة الكاتب الأمريكي ألكس هالي في روايته: جذور (1976).

ونطراً للاهتمام البالغ بالمخطوطة التي أنقذتها الباحثة سيلفيا ألبيرو بجهود استمرت طويلاً حتى أصبحت اليوم متاحة، ومتداولة في الإنترنت وفي المواقع، مترجمة إلى الإنجليزية، بقي أن تنشر بلغتها الأصلية العربية في دار نشر عربية، وتوزع على نطاق واسع، لأنها درس في الحياة والنبل والمقاومة، وستسمح بإعادة كتابة تاريخ العبودية الذي افترض سردها، وما يزال إلى اليوم: كل من ليس أنا (الغربي الأبيض) فهو جاهل وأمي، يجب تحضيره.