الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

«أم قلالة».. و«أرملة بوضياف»

ذكريات الجزائريين مع الألم والحسرة لا تنتهي.. وعمر الفرح لديهم قصير وقلّما يصلون إلى تحقيق أهدافهم المرسومة، وقدرهم ـ وهم مسؤولون عن ذلك ـ أن يكونوا دائماً في موقع الفهم الخاطئ من الآخرين بما في ذلك العلاقات الدولية، لأن صراحتهم مصحوبة بحال من العنف نتيجة تشويه للذات من قوى استعمارية وطئت أرضهم وورثت ديارهم، وأذاقتهم الهوان والذل، أقربها الاستعماري الفرنسي، الذي ترك أتباعه ضمن سياسة «التمدين» الغربي للعرب خصوصاً ولأبناء دول العالم الثالث عموماً، مشدودين بحبال نحوه.. الخلاص منها مكلف، ويتطلب جهاداً عقلياً وإيمانيّاً طويل المدى.

ومع ذلك فتجارب الجزائريين في المقاومة والتغيير ثريّة يؤرقنا بها التذكر حين نصبح ونمسي، لكن من الضروري والمفيد لهم أن لا ينسوها أبداً، وأحسب أن الدكتور محمد سليم قلالة أسهم بشكل إيجابي في إحياء الذاكرة الجماعية بما أورده من معاناة أسرية وعائلية وجهوية ومجتمعية ووطنية في كتابه «حلم والدتي»، حتّى نعرف من نحن في ركب الزمن؟ وأين كنا؟ وكيف نقارن أسئلة الماضي وحقائقه، بإجابات الحاضر وواقعه.

يا لهول ما عاشت أم سليم قلالة بعد استشهاد زوجها...كم كانت لحظات صعبة عليها وعليه وعلينا.. لا أدري كيف تمكّن قلالة من ورايتها.. فيها يضيق الصدر، وتُذرف الدموع، وتزيد الآهات، وحين تنشط الذاكرة للمقارنة يتملَّكك الحزن، لأن سفاهة الفعل في سنوات الحرية أفسدت علينا جمال الفعل في سنوات الاستعمار أم قلالة التي جاءت في كتاب ابنها ممثلة لكل نساء الجزائر أثناء الحقبة الاستعمارية ذكرتني بزوجة الرئيس محمد بوضياف ـ الذي حلت منذ يومين الذكرى الـ 29 لاغتياله من أبناء وطنه ـ وهو أحد الآباء المؤسسين لثَورة التحرير.


زوج بوضياف مثل أم قلالة تماماً، تشتركان في التفكير، والنظرة للتاريخ والمستقبل، مع الاختلاف في التجربة الخاصة لكل منهما.


الأرامل والثكالى نتيجة حرب التحرير في الجزائر ما زلن يستبقين ما عشن من علامات فارقة في حياة الشعب بأكمله، وفترات النسيان أو التناسي لدورهن لن تعمر طويلاً، ذلك لأن قيمتهن تكمن في الحفاظ على ميراث الثورة تربية وقيماً وبطولة، والأكثر من هذا المحافظة على النوع والسلالة الثورية، إن جاز التعبير.

تجربتا أم قلالة وزوج بوضياف الأولى تستحقان القراءة من خلال ما يمكن تسميته «بمتعة الألم»، وهنا وجب شكر الكاتب سليم قلالة وناصر بوضياف لأنهما قلَّبا في دفاتر ذكريات الدولة الجزائرية، انطلاقاً من تجربة والدتيهما.