السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

موريتانيا.. قاعدة للإصلاح

يَحِقُّ للموريتانيين الآنَ أن يَهْنَؤُوا ويَسْعَدُوا برؤيةِ رئيسِهم المنتهيةِ ولايتُه يُهَنِّئُ رئيساً جديداً مُنتَخَباً ويَسْتَعِدُّ لتسليمه السلطةَ، عَقِبَ انتخابات ديمقراطية قد لا تكون مثاليةً، ولكنَّها مَرْضِيَّةٌ كَمَا لَحَظَت قُوى إقليمية وغربية، وأهَنِّئُ الرئيسَ الجديد وأرجو أن يَتَقَبَّل مِنِّي هذه النصيحةَ المتواضِعة.

لا أَنصحه بتطوير التعليم والصِّحة اللذينِ يَشهدانِ أسوأَ مرحلة عَرَفَتْها بلادُنا، ولا بمحاربة الفساد الذي صار سرطاناً يَطْلُب عِلاجاً «اسْتِثْنَائيًّا»، ولا أُذَكِّره بالبُنَى التحتية المتهالكة أو المنعدمة، ولا بحالةِ فِقدان الأمْن التي تَرَدَّت فيها البلادُ منذُ سَنَوات، ولا بِقطاع العدل الذي هو أساسُ الحُكْم، ولا بالفُقَراءِ الكثيرين الذين يُعانُون البُؤْس واليَأْس في بَلَد قَلِيلِ السكان كثيرِ الثروات، ومِن تَحْصِيل الحاصل الذي يَتَجَنَّبُه العُقَلاءُ ويَتَجَافَى عنه الحُكَمَاءُ تَذْكِيرُه بسِيَاسَتِنَا الخارجية التي انْحَصَرَ دَوْرُها منذُ عقود في المشاركة السلبيَّة في القِمَم الإقليمية والدولية.

لا أُوصِيه بشيء مِن ذلك؛ لأنَّه مِنَ البَدَهِيَّات الأوَّلِيَّات.. مَا أوصيه به معادلةٌ بسيطة تَنَبَّه لها الرُّومانُ القدماء - وهُم مَنْ هُم في فَنِّ الحُكْم وتَدْبِير السياسة!. يَرَى حكماؤُهم أنَّه خَيرٌ لرُوما أن يَحْكُمَها مَلِكٌ فاسدٌ ذو بِطَانَة صالحة مِن أن يَحْكُمَها ملكٌ صالِحٌ ذو بِطانة فاسدة، وهذه القاعدة الذَّهَبِيَّة ذَكَرْتُها في مَقَال نَشَرْتُه في صحيفة موريتانية مستقلة زمن الرئيس الأسبق السيد معاوية ولد الطايع الذي في عهده تأسَّسَ الفسادُ وفَرَّخَ.


وأجِدُ نفسي اليوم مُذَكِّراً بهذه القاعدة التي إن يُنَفِّذْهَا رئيسُنا المنتَخَب يُصْلِحْ ما أَفْسَدَ سَلَفُه.. القاعدةُ، بتعبير آخر، هي: إذَا أرَدتَّ الإصلاحَ فَأَعِدَّ له عُدَّتَه، وعُدَّتُه يَسيرةٌ: عَلَيكَ أن تختار بعنايةٍ دِيوانَكَ، والوَزيرَ الأوَّلَ وديوانَه، وَالوُزَراءَ، والأُمَنَاءَ العامِّين للوزارات، ومديري المؤسَّسات الحيوية كـ «سنيم».. تختارُهم مِنَ الأطُر الأكفَاء الأُمَنَاء، ولا تَلْتَمِسْهم في الذين مَرَدُوا على النِّفاق ودَأَبُوا على «التَّصْفَاق»، فهؤلاءِ هُم مَنْ أفْسَدُوا أمْرَ سَلَفِكَ أوْ أفْسَدَ سَلَفُكَ أمْرَهُم.


ولا تَسْأَلْنِي عنهم، فأنَا لا أعرفهم بِذَواتِهم، بَلْ بصفاتهم التي ذَكَرْتُ لَكَ، فَنَقِّبْ عنهم مثل المعادن الثمينة أو الموارد النادرة، سواءٌ في الموالاة أو المعارضة أو في غيرهما، تَجِدْهم، وإن اعْتَاصَ عليكَ وجُودُهم في بلادنا، ولا أظُنُّ ذلك واقعاً، فاسْتَعِرْهُم مِن خارجِها فترةً يُقِيمُون لَكَ فيها ركائِزَ الإصلاح، وقواعدَ الحُكم الرَّشيد، ودولةَ القانون، وحِينَئِذٍ سينطَلِق «مُحَرِّكُ» الدولة إلى الأمام.