الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أمريكا.. و«العقدة الخلدونيَّة»

يشير كثير من الدراسات والتقارير إلى موضوع تراجع الولايات المتحدة عن مكانتها الدولية كقوة وحيدة في العالم، ويتكلم كثير من المفكرين الأمريكيين ـ كذلك ـ عن تراجع وأفول نجم أمريكا عالمياً، وانحسار نفوذها بدءاً من نعوم تشومسكي ومروراً ببول كينيدي وانتهاء بفؤاد زكريا.

كان جُل الكلام، يدور حول حقيقة أنّ أمريكا بدأت فعلاً تتراجع عن قوتها الكونية وهيمنتها كقوة أولى تدير العالم، وأنّ هناك خوفاً ملازماً لعقدة الثبات على قمة الهرم السياسي، وفق النظرية الخلدونيَّة عند صانع القرار الأمريكي، وعند الدولة العميقة، فنظرية ابن خلدون المعروفة حول أطوار الدولة وأعمارها ومراحلها، حيث ترى النظرية أن الدولة، تبدأ بمرحلة التأسيس ثم تنتقل إلى مرحلة الشباب (التمكين والعظمة) ثم تتنفس الموت حيث الشيخوخة والانهيار- ربما مأخوذ بها عند المخطط الأمريكي ــ وهذا لا يعني بالطبع أنّ الولايات المتحدة ستخسر وتتراجع حالياً، وهذا يحتاج إلى سنوات وعقود، ولا نعلم شكل ذلك وآلياته ولا حتى نتائجه.

اليوم، تعيش أمريكا أخطر لحظاتها الوجودية وتنعكس هذه الحال على العالم أيضاً، وهي فاقدة لتوازنها، ولا تستطيع ربما استيعاب أنّه بعد كل هذه القوة والنفوذ والتفرد يمكن أن تترجل من القمة، وتبدأ بالتراجع كما الإمبراطورية البريطانية والسوفياتية، ولهذا فإن المتابع والمُدقق اليوم لسياساتها، يَلحظ عدوانية أمريكا وتنمرها على الجميع بتأثير هذا الهاجس.


فمن المكسيك وفنزويلا إلى الصين مروراً بأوروبا والشرق الأوسط، تحاول أمريكا إظهار استفزازها وحتى انتقامها، وتهدد بطرد المهاجرين وبالحرب والحصار وتبني الأسوار وتطالب بفواتير تاريخية وتظهر أحياناً أعلى درجات العنصرية والتشويه للآخرين، وتحاول ربما أن تُورط الجميع لقناعتها بأنّها تعيش أزمة حقيقية، ومن الممكن أن تسلك أي طريق لمحاولة الإفلات والخروج منها، ولو بحروب اقتصادية وأخرى بوكالات، والتخلي عن الحلفاء وتخريب المؤسسات الدولية والانسحاب من الاتفاقيات العالمية وغيره.


إن المتتبع لسياسة ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض وتوجهاته وقرارته، يلاحظ أنّه يمثل تجسيداً لحالة أمريكا المضطربة والمأزومة، فالدولة العميقة فيها ربّما تَحمل في جُعبتها خُطتين: خطة «أ» تقوم على محاولة إنقاذها من الداخل عبر هيكلية تاريخية ضخمة على كل المستويات، وخطة «ب» تقوم على فرض سياسة دولية تطالب العالم بدفع أثمان محاولة إنقاذها، وإلاّ فالخلاف والصدام معه هو الأرجح.