الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

اجتماع «قمة العشرين».. وغياب الرؤية

اجتماع «قمة العشرين».. وغياب الرؤية

محمد المعزوز

أصبح قادة الاتحاد الأوربي وباقي قادة العالم، قلقين جداً من التغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي نتيجة تعاظم واحتدام الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين للتحكم في مصير التجارة والمال في العالم هذا من جهة، ومن جهة أخرى، التصعيدات السياسية الخطيرة التي نشبت بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأمريكية، والوضع السياسي في كوريا الشمالية واليابان، فضلاً عن تقاطب صراع جديد ما بين الإسلام السياسي واليمين المتطرف كردة فعل «إثنو- دينية».

كل هذه القضايا المتناثرة عالمياً والتي أصبحت مثار انشغال جدي لكل العالم، جعلت الخبراء والسياسيين ورجال الاقتصاد يجزمون باحتلالها صدارة التباحث في قمة العشرين، لكننا بالرجوع إلى خُطب افتتاح الجلسة الأولى من طرف كل من رئيس الوزراء الياباني«شينزو آبي»، والرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» والرئيس الصيني «شي جين بينغ»، نستشف أن هؤلاء الثلاثة قد تحاشوا وضع الإطار الإشكالي الأساسي للتأثيرات التي باتت تهدد الاقتصاديات العالمية.

إن تأكيد الرؤساء الثلاثة على واقع التوترات التجارية والجيوسياسية، حدث من وجهة نظر سياسية لها منظور مصلحي ضيق، لا يتعدى الأهداف الاستراتيجية لنظام كل دولة كمؤسسة سياسية مستقلة بذاتها.


بمعنى أن المناقشة المطلوبة لهذه التوترات في علاقتها بمجتمعات العالم التي أصبحت تقادُ من داخلها احتجاجات وثورات ضد المنطق المادي الأعمى للسوق، لم تأخذ أهميتها المطلوبة خلال هذه الخطب الافتتاحية، ولم تستطع المناقشة أن تكون صريحة لتقول: إن سعيها الدؤوب إلى تسيّد الليبرالية المتوحشة هو سبب هذه التوترات، وسبب التراخي في المواجهة الجدية لسلبيات تغيرات المناخ، وللتطرف السياسي والإثني، وصعود التيارات العنيفة في أرجاء العالم.


ليس همّ الليبرالية المتوحشة هذه القضايا القيمية المرتبطة بكرامة المجتمع والإنسان، لأن مركز تفكيرها هو السوق والربح الجشع فقط.

والحديث اليوم عن إصلاح منظمة التجارة العالمية، كما جاء على لسان رئيس المفوضية الأوربية «جان كلود يونكر» في ندوة صحافية عقدها عقب هذه القمة، لا يبطل الحرب التجارية والجيوـ استراتيجية ما بين العملاق الصيني والولايات المتحدة الأمريكية، ولا يمنع من إلحاق الضرر بالاقتصادات العالمية الأخرى، القوية منها والصاعدة والفقيرة والهشة، لأن إصلاح هذه المنظمة يمر عبر بناء «اقتصاد إنساني» يحد من تعاظم الليبرالية المتوحشة ويقوم على بناء المجتمعات وتماسكها، عوض استفزازها بخلق فجوات سوسيو- اقتصادية بين فئات شعوبها وطبقاتها.

إن غياب البعد الإنساني في الليبرالية، هو ما تسبب في فقدان ثقتها في الدولة والمؤسسات وجعلها تجنح بقوة، إما إلى الاحتجاجات والثورات أو إلى التطرف والتطرف المضاد، ولذلك، فبقاء برنامج مجموعة العشرين غافلاً عن هذه التحديات الاجتماعية العالمية، لن يُمكنها من بلوغ أهدافها في تحقيق النمو وتكييف الاقتصاد مع ثورة البيانات، ومكافحة التطرف العنيف.