الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

صحافة الغيبة والنميمة

في عام 1996، كنا في الأردن نؤسس لصحيفة أسبوعية نوعية مختلفة اسمها «الميثاق»، وكان عراب الفكرة حينها الراحل ناهض حتر، والذي اغتالته يد الغدر والعتمة على باب قصر العدل في العاصمة الأردنية قبل ثلاث سنوات تقريباً.

حينها، كانت الصحافة الأسبوعية في الأردن، قد ابتكرت نوعاً من الأخبار التي تعتمد الفضائحية دون الإشارة إلى الأسماء، وهو ما جعل مدارات الخبر تتسع لتغتال معنوياً شخصيات كثيرة تصيبها التكهنات بالمقصود في الخبر.

ومع شحّ الأخبار على مدار الأسبوع، نشأ جيل من الصحافيين اعتاد التلفيق والافتراء لخلق الأخبار ونشرها، وهذا شكَّل فيما بعد صناعة مربحة لذوي المصالح بتلقيم ضعاف النفوس من الصحافيين ببعض المال لتلفيق أخبار ذات أهداف وأجندات مقصودة.


الراحل ناهض حتر، عام 1996 التقط تلك الظاهرة، ومنه تعلمت درساً بما أطلق عليه يومها تسمية «صحافة الغيبة والنميمة»، وكان المرحوم حتر قد أخذ قراراً بأ لا تتضمن صحيفتنا الناشئة «والموؤودة فيما بعد» أياًّ من تلك الأخبار بالمطلق.


عربياً، كانت الظاهرة موجودة أيضاً، من خلال مارقين على الصحافة أصدروا مطبوعاتهم خارج العالم العربي في المهاجر الأوروبية، واعتمدت بالكامل صحافة الغيبة والنميمة مدفوعة الأجر.

تلك الحالة أسست شبكة متوارثة من صحافة الغيبة والنميمة القائمة على الارتزاق المهني، لا هم لها ولا شاغل إلا التقاط إشاعة ما والبناء عليها بما يشبه القصة الصحفية بلا مصادر حقيقية ولا مهنية في بناء المادة الصحافية.

دخلنا عصر الإنترنت بعد ذلك، لتنتشر المواقع في سياق ماكينات تفريخ، وصار ورثة صحافة النميمة ممن لا يملكون أدنى حد بالمهنية والمعرفة رواداً في تلك الدكاكين الإلكترونية، وبتمويل خبيث ومدروس من حواضن على شكل دول صارت تلك الصحافة تنفذ أجندات نشر الإشاعات بلا أي وازع من ضمير مهني أو موضوعية احترافية.

في خضم كل تلك الفوضى، وفي تشابكات معقدة من دفق معلوماتي لا معلومات حقيقية فيه، ضاعت الحقائق واختفى الخبر المهني المسنود بمصادر معلومات.

في الغرب، يميز القارئ أو المتلقي بين صحافة صفراء فضائحية تصلح للتسلية في رحلة مترو قصيرة، وبين صحافة موضوعية استقصائية تتم قراءتها على مهل وباستمتاع واحترام.

في عالمنا العربي، لا يزال غالبية المتلقين يبحثون عن الفضيحة، حتى لو كانت على حساب الحقيقة، لتصبح الفضيحة ذات الأجنحة مسلمات وحقائق، على كل الكذب والتضليل فيها.

قال شكسبير يوما على لسان شخصية هنري الثامن: غلف الخطيئة بغطاء من الذهب، تتكسر رماح العدالة عليها.