الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

مظلوميَّة أوروبا الشرقية

هذا العام ومثل كل صيف، كانت المجر وجهتي للإجازة الصيفية، وأنا المحب للتاريخ لا أنكر عشقي وحبي الدائم للتجوال في عاصمتها بودابست، أو في أي من مدنها المُتْخَمة بالحكايات والشواهد، لكن ما يدهشني حقاً ليس التاريخ في دول الشرق الأوروبي والحالة المجرية خاصة، فهذه الشعوب تعطيك الشعور بأنها تمتهن الانطوائية على ذاتها بل وتتفنن بتقوقعها، وهذا ما ورد في خاطري أثناء زيارتي لمدينة فيشيغراد الجبلية المطلة على الدانوب، والمعروفة بأنها أعطت اسمها للتحالف الشهير بمجموعة فيشيغراد.

هناك خصوصية أوروبية محلية بل حتى أنها ذات هوية أوروبية وسطية تجدها في تلك الأماكن التي تم تصنيفها سياحية، لكنها مذهلة لأنها لا تزال مغرقة في ثقافتها المحلية، ومع الانزعاج مثلاً من ألا تجد متحدثين بالإنجليزية في مناطق سياحية كتلك، إلا أنك تفهم حينها سر هذا الغموض الذي يعتريك كدهشة وأنت تتأمل في الأماكن على مستوى جغرافي وتاريخي.

قد يكون للأمر وجه آخر، مع تأكيدي على رفضي لكل سياسات اليمين المتطرف في كل أوروبا، لكن تلك الدول في شرق القارة يعيب عليها جيرانهم الغربيون جداً أنهم منغمسون في ثقافاتهم المحلية، وحذرون مع الليبرالية المنفتحة على العالم!!


شخصياً، لم أشهد تطرفاً في التعامل مع الآخر، وشخصياً، من منطلق الزائر، أستمتع بكل ما تبهجني به تلك الثقافات المحلية الخاصة في تلك الدول، وهي متنوعة وعديدة وملونة.


المجر، دولة كانت ضمن الستار الحديدي للمنظومة الشيوعية التي تتحكم بها موسكو طوال 50 عاماً، لكنها وجدت حريتها أول تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الجدار الحديدي، ولا تملك إلا الإعجاب بتلك الدولة التي عملت على إنشاء بنية تحتية ضخمة، وبنت عليها بعد تحررها ولا تزال.

كانت المجر قبل انضمامها للاتحاد الأوروبي، أكبر منتج للصناعات الفولاذية ومنها القطارات والترامات، غير أنها أرض خصبة كانت تنتج مختلف المحاصيل الزراعية، التي يمكن أن تغطي نصف احتياجات أوروبا.

قوانين الانضمام للاتحاد الأوروبي، قضت على صناعة الفولاذ فصارت تلك المصانع مباني مهجورة، والأراضي الزراعية تقلصت لأن الأقوياء في الاتحاد الأوروبي لن يفضلوا المزارع المجري وغيره من الشرق على محصولات الأراضي الألمانية وكروم العنب والزيتون في إسبانيا وإيطاليا.

لذا، تجد الاقتصاد المجري (مثل أغلب اقتصاديات شرق ووسط أوروبا) رغم كل الموارد الضخمة في تلك البلاد، رثاً وضعيفاً مرهوناً لقوانين الأقوى في أوروبا، وأسيراً للفساد الذي تغلغل في إدارته باسم الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية.