الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

أغاني الملاعب الجزائرية.. سياسية بامتياز

أغاني الملاعب الجزائرية.. سياسية بامتياز

واسيني الأعرج

على خلفية الأيام الكروية الأفريقية الماضية، جميل أن نتحدث عن أولاد البهجة، المجموعة الشبابية التي اشتهرت بأهازيجها في ملاعب كرة القدم في العاصمة، قبل أن تتحول إلى ظاهرة وطنية. هناك أربع مجموعات كروية عاصميَّة اليوم في الجزائر، لها حضور كبير في ملاعب كرة القدم، تتنافس دوماً على البطولة والكأس، وتتوحد في ملعب تشاكر بالبليدة، أو في ملعب 5 جويلييه (يوليو)، وهي: اتحاد العاصمة ـ الفريق العريق والعتيد الذي نشأت في صلبه مجموعة أولاد البهجة ــ ومولودية الجزائر، وشباب بلوزداد (بلكور)، واتحاد الحراش.

إلا أن تلك المجموعات تنسى كل خلافاتها إذا تعلق الأمر بالفريق الوطني، وكأن الفريق الوطني خط أحمر لا يمكن تخطيه، مع أن لكل مجموعة أهازيجها.

ومع أولاد البهجة تحديداً، خرجت أغاني كرة القدم من كونها وسيلة ترفيهية لتشجيع الفريق، لتتحول إلى وسيلة نقدية حادة، سياسية بامتياز، تعيد ممارسات النظام إلى الواجهة، وتحمّله كل ما أصاب الشباب من يأس ورغبة دائمة في الهرب من الجزائر، والارتماء في البحار الهائجة كما في «بابور اللوح»، و«وصية في سطور» تلك التي يستعيد فيها الشباب، من خلال وصية الجد، وطنهم المسروق الذي لن يتنكروا له ولن يخونوه مهما كانت الويلات التي تصيبهم بسبب حبهم له.


لنا هنا أن نتساءل أحياناً من يتخفَّى وراء هذه القصائد النارية القوية، وهل هي مجرد ردود فعل شبابية آنية أم قوة ثقافية شعبية واعية ومنظمة؟


تأمُّل بسيط لهذه الأهازيج، يفرض بالضرورة الرأي الثاني، أي السياسي، لهذا نستغرب الإهمال الكبير من قبل المثقفين لهذه الأشعار الشعبية الجريئة المغناة في الملاعب.. المثقف، يريد أن يكون قريباً من الشعب لكنه في الوقت نفسه، ينفر من ثقافته التي يعتبرها بدائية، متخلفة، وليست ذات قيمة، كما أنه لا يقترب منها لفهم جوهرها، وربما فهم مكونات هذا الشعب والدخول في مناخه وانشغالاته.

أغاني الملاعب، الحرة والجريئة لا تعني الشيء الكثير للمثقفين لأنها ثقافة من درجة ثانية، مثل كل الثقافة الشعبية، مع أن هناك تغيرات جذرية مست هذه الأغاني منذ استيلاء مجموعة على مقاليد الحكم في الجزائر وتسيُّد دكتاتورية حقيقية على زمام أمور السلطة.

لقد تغيرت أغاني الملاعب في الـ 20 سنة الأخيرة، جوهرياً، من الأغاني البسيطة والعفوية التشجيعية للفريق، التي تمجد اللاعبين وتدفع بهم إلى تحقيق الاستثناء في اللعب، إلى الأغاني التي حولت الملاعب إلى منابر للاحتجاج والرفض ومقاومة الاعتداءات الأمنية، لكن لم ترتق ذهنية المثقف نحو هذا التحول العميق، فبقيت تصوراته مرتبطة بالمفهوم التبسيطي الأول، على الرغم من تحولها الجذري.

منذ مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، واستيلاء فريقه على الحكم، تحول مضمون أهازيج «أولاد البهجة»، بتحول الشباب أنفسهم، من مرددين لما هو سائد، حيث كرة القدم مجرد مخدّر، إلى فاعلين في الملاعب وخارجها، بالتعبير الحر عن حالة الغضب ضد نظام همشهم وحولهم إلى مجرد وقود لنار الأزمة.