الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

تونس.. رحيل رئيس الجمهورية في عيد الجمهورية

في وضع سياسي ملتبس على جميع الأصعدة، فقدت تونس رئيسها الباجي قائد السبسي، أمس عن سن ناهز 93 عاماً.

رحيل الرئيس التونسي لا يمكنُ أن يقرأ بمنطلقات الاصطفاف السياسي أو الانتماء الحزبي، بل يتجاوز ذلك إلى تلمس الخسارات المترتبة على رحيل رئيس صعد إلى سدة رئاسة البلاد في واحدة من أصعب لحظات تاريخ تونس المعاصر.

أطل الباجي على تونس الثورة من مدرسته البورقيبية، وجاء مدججاً بفكر زعيمه فكان حريصاً على تدوير الزوايا أكثر من حرصه على الصدام أو فرض الرأي.


أيقن بكل ممكنات تعايش التونسيين في كنف قوانين البلاد ومؤسساتها، وعلى المدى القصير كان مدعواً إلى تعبيد طريق تونس نحو الانتخابات، وكان واعياً بحجم الأشواك المتناثرة على طول ذلك الطريق.


انتظمت انتخابات 23 أكتوبر 2011، وأفرزت نتائج صعّدت ترويكا «هجينة» قُدّت على عجل بين النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات. ولم يكن يوجد ما يجمع بين هذه الأحزاب سوى الرغبة المشتركة في الهيمنة على السلطات التشريعية والتنفيذية.

في ذلك المناخ الموسوم بتصاعد القوى المتطرفة، وتوسع هيمنة النهضة على كل مؤسسات البلاد، أيقن الرئيس الباجي أن لا خيار أمام تونس سوى إنشاء قوة سياسية جديدة بغاية تحقيق التوازن السياسي.

أنشأ حركة نداء تونس، يوم 16 يونيو 2012، بغاية «دعوة كل القوى السياسية والفكرية الوطنية التي تأبى التطرف والعنف، والتي تنخرط في المسيرة الإصلاحية التاريخية لبلادنا لتجميع طاقاتها المادية والمعنوية حول بديل يعزز التوازن السياسي».

لم تكن مسيرة الباجي بعد ذلك مفروشة بالورود، حيث لاقى ما لاقاه من معارضة، لأسباب سياسية أو لأسباب أيديولوجية، إلا أنه واصل مسيرته نحو قيادة البلاد، حيث وصل إلى سدة الرئاسة، إثر انتخابات 2014، يوم 22 ديسمبر 2014.

يتخذ رحيل الباجي أهميته من أبعاد كثيرة أولها غياب المحكمة الدستورية، والوحيدة المخولة بمعالجة هنات دستور 2014.

وثانيها أنه رحل والبلاد تتهيأ لانتخابات قادمة تسير نحوها خائرة القوى على جميع الأصعدة، وثالثها أن رحيله حصل في غياب أيّ قوة سياسية يمكنها أن توازن التقدم المحموم للنهضة للهيمنة على ما تبقى من مؤسسات البلاد.

رحل الباجي قبل أن ينهي ما حلم به من إنشاء مؤسسات تضمن التوازن، ورحل وحزبه مصدع إلى شقوق كثيرة، وكل هذه المؤشرات لا تخدم سوى النهضة التي استفادت من توافقات ابتدعها الباجي قائد السبسي، ولكنها لم ترجع التحية بأحسن منها ولم تركن لتقديم مصلحة البلاد.