الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

تونس.. انتصار دولة القانون والمؤسسات

تونس.. انتصار دولة القانون والمؤسسات

عبدالجليل معالي

ساعات قليلة بعد إعلان وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أدَّى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، اليمين الدستورية، ليصبح رئيساً مؤقتاً للجمهورية التونسية حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في 15 سبتمبر المقبل.. جاء الأمر في بدايته، وفي القراءات الشعبية والسياسية الحينية مدعاة للفخر التونسي بالانتقال السلس للسلطة في تونس.

ومع أن الفخر التونسي يكتسب كل وجاهته ودواعيه، فإن الأمر أكثر عمقاً من مجرد أداء يمين دستورية وتقلد رئيس مجلس النواب مهام الرئاسة المؤقتة، في خلفيَّة الحدث دولة قانون ومؤسسات كما تنص عليها الأدبيات السياسية الحديثة.

كان القانون حاضراً ومُحدَّداً في نظر كل المتابعين، إذ استدعيت فصول معلومة من دستور عام 2014، واستند محمد الناصر في أدائه اليمين الدستورية إلى الفصول 84 و85 من الدستور وأعلن «توليتُ اليوم مهام رئيس الجمهورية».


لم ينتج اختلاف أو جلبة قانونية حول التأصيل الدستوري للانتقال، طالما أن الأمر كان معلوماً ومتوقعاً، وطالما أن دستور البلاد حدد ذلك المخرج لحالة الشغور الدائم في رئاسة الجمهورية.


كانت المؤسسات حاضرة في الحدث، وأمّنت العملية السياسية اتكاء على القوانين واحتراماً لها، بدءاً من مجلس النواب إلى رئاسة الحكومة، مروراً بالهيئة الوقتيَّة لمراقبة دستورية القوانين، وُصُولاً إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

دولة القانون والمؤسسات التي انتصرت الخميس الماضي، وأمَّنت الانتقال السياسي السلس، لم تكن صنيعة مرحلة الباجي قائد السبسي، وإن أسهم في وضع لبناتها، بل كانت حصيلة عقود من البناء السياسي والمراكمة، من داخل السلطة ومن خارجها.. بدأت مع زمن بورقيبة، وأسهمت في تكريسها أجيال كثيرة من المناضلين المدنيين، الذين أيقنوا أن حماية تونس لا تتم ببرامج التسليح والعسكرة أو بالاتكاء على شرعيات دينية أو أيديولوجية.

الثابت أن دولة القانون والمؤسسات في تونس لا تزال محتاجة لكثير من الدعائم والمقومات، من قبيل إنشاء المحكمة الدستورية وغيرها من الهيئات القانونية، إلا أنها كانت مفصلاً حاسماً في تحقيق انتقال الخميس الماضي، ذلك أن الثوابت الماثلة في أذهان التونسيين، كانت أيضاً حائلاً أمام أي انحرافات ممكنة عن المسار الديمقراطي.

في الزمن العربي الراهن، وفي ما يسود البعض من أقطاره من هيمنة الميليشيات والتيارات التي لا تقيم للوطن أي اعتبار، تظل الدولة بمفهومها الحديث القائم على تجاوز الانتماءات التقليدية الدينية أو الطائفية أو المذهبية، الترياق السحري لحل كل مشكلات السياسة والاقتصاد والتطرف، وتكفي نظرة سريعة على خرائط الإرهاب في العالم العربي لتبين أن الإرهاب يزدهر حيث تضعف الدولة.