الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

أزمة الهجرة.. وتهديد البنيان الأوروبي

أزمة الهجرة.. وتهديد البنيان الأوروبي

مصطفى طوسة

بينما عيون العالم مشدودة إلى منطقة الخليج في انتظار الشرارة العسكرية، التي قد تتسبب في انفجار ومواجهة بين أمريكا وإيران، هناك خطر قاتل وصامت يهدد دول الاتحاد الأوروبي ويخلق الظروف لتفكيكها من الداخل ونسف مشروعها الوحدوي.. إنه أزمة الهجرة التي أصبحت دول الاتحاد الأوروبي عاجزة على تقديم سياسة مشتركة لمعالجة تداعياتها.

صحيح أن حدة الأزمة قد خفت في حجمها المخيف بالمقارنة مع الكابوس الذي انهال على أوروبا ما بين عامي 2016 و2017.. لكن طبيعة الأخطار لم تتغير بل إنها تلقي بظلال قاتمة على مستقبل الاتحاد الأوروبي إن هو عجز على إيجاد حل عقلاني وجدي لإشكالية البحر الأبيض المتوسط، الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى مقبرة جماعية تلتهم عدداً مخيفاً من المرشحين للهجرة السرية وطالبي اللجوء السياسي والإنساني الفارين من مناطق الحروب والاستبداد.

لقد كانت الحكومة الإيطالية بزعامة الشعبوي ماتيو سالفيني أول من أشعل فتيل هذه الأزمة عندما اتخذت القرار التاريخي بغلق موانئها أمام البواخر المحملة بالمهاجرين السريين القادمين في معظمهم من ليبيا المجاورة، وهذا الوضع دفع بالثنائي إيمانويل ماكرون وإنجيلا مركل لمحاولة إيجاد آلية تضامنية تضع حداً للمأساة التي يعيشوها المهاجرون السريون وهم يحاولون الدخول إلى الفضاء الأوروبي، وبناء عليه تمّ اجتماع هلسنكي واجتماع باريس وكذلك اجتماع مالطا في شهر أيلول المقبل.


الإستراتيجية المتبعة هي محاولة إقناع الإيطاليين بتغيير موفقهم المتشدد مقابل تضامن أوروبي أكثر سخاء، وذلك لكسر النموذج الاقتصادي لقنوات الاتجار بالبشر والعمل على استرجاع المهاجرين العالقين في لبيبا إلى بلدانهم الأصلية.. هذا بعد المطالبة الصارمة للسلطات الليبية بغلق مراكز الاعتقال الإداري للمهاجرين والتي تحتضن مآسي قاتلة.


المحور الألماني ـ الفرنسي يعتقد أنه إذا لم يتم القضاء على هذه الظاهرة فإن تداعياتها قد تعبد الطريق لانتعاش التطرف السياسي، الذي يوجه ضربات موجعة لمبدأ التعايش السلمي واحتضان اللاجئين السياسيين والإنسانيين، الذي تضمنه القيم والمواثيق الأوروبية، كما سيسمح هذا الوضع المزري للقوى الشعبوية لتحقيق مكاسب انتخابية غير مسبوقة، قد تشكل خطراً جسيماً على هيكلة البيت الأوروبي الموحد، الذي يعاني أصلاً من شكوك متزايدة من طرف شرائح واسعة من المواطنين.